حينما أراد الغرب إستعباد الشعوب الفقيرة وإذلالها واستغلال ثرواتها لم يجد حرجا فى إستخدام علوم البيولوجيا لإضفاء شرعية مقدسة بإسم العلم على تلك الافعال المشينة .
وبنى المستعمرون معتقداتهم على أفكار ملهمين لهم مثل فردريك هيجل friedrich hegel وأرثر شوبنهاور arthur schopenhauer والقائلة بتفوق العرق الابيض على باقى الاعراق ونالت هذه النظرة العنصرية للشعوب دعما سياسيا كبيرا خلال إنتشار الإمبريالية الحديثة فى أواسط القرن التاسع عشر حيث كان من الضرورى إستثمار وتجنيد معتقدات فكرية معينة لتوجية المستعمرين للنظر الى الشعوب الاخرى بطريقة مختلفة ، نظره فوقية متغطرسة خالية من الرحمة.
فى مقال لأرثر جنسن فى مجلة هارفارد التربوية يقول
” إن الفارق بين أداء السود والبيض فى اختبارت معامل الذكاء هو فى معظمه وراثى “
وما يينتج عن ذلك أنه ما من برنامج تربوى يستطيع أن يساوى بين الوضع الاجتماعى للسود والبيض وأن السود مهيئين أكثر للاعمال الميكانيكية التى جعلتهم جيناتهم مهيئين لها .
ومن ثم يقوم ريتشارد هرنشتن أستاذ علم النفس فى هارفارد بتوسيع الزعم بالانحطاط الوراثى للزنوج ، ويكتب لويس أجاسى استاذ علم الحيوان فى هارفارد وأحد ابرز علماء الحيوان بأمريكا فى القرن التاسع عشر أن:
” مخ الزنجى هو مخ ناقص كمخ طفل ابيض لم مكث فى الرحم الا سبعة اشهر وأن خطوط الاتصال بين عظام الجمجمة تنغلق فى جماجم الاطفال السود فى زمن أبكر مما عند البيض وهكذا فمن المستحيل أن يتعلم الاطقال السود الكثير لإن أمخاخهم لا يمكنها النمو بأكثر من الحجم المحدود لجماجمها “.
وفى بريطانيا تستخدم البيولوجيا فى إطار ايدولوجى أخر حين قام عالم نفس أكاديمى هو هانز ايزنك بالتدرج لدعوى وجود فروق بيولوجية بين الاجناس فى معامل الذكاء وأصبحت هذه الدعوى جزءا متكاملا من الحمله ضد هجرة الاسيويين والسود .
هنا تتبادر الى أذهاننا نتيجة مفادها أنه حينما يتحدد الوعى العلمى والشعبى فى حقية معينة بأراء مثل هذه فالامر يسير التساؤل .
وفى حين يحاول هؤلاء العلماء إمتلاك الامر من ناصيته ، ويتظاهرون بالموضوعية وينكرون أى صله لعلومهم بالاحداث السياسية ليعطوا إنطباعا بأن هذه النظريات هى نتاج تطورات داخلية من صميم علم منعزل عن أى علاقات إجتماعية ، نراهم لا يلبثون أن يقوموا بدور الممثلين السياسين ، فيكتبون للصحف والمجلات الشائعة ويشهدون أمام المشرعين .
كلمة عالم Scientist الانجليزية نفسها لم تظهر فى اللغه الا عام 1840 وتم استدعاء العلماء على أنهم المراجع الثقة النهائية وإعتبارهم متصفون بالموضوعية والنزاهة والبعد عن العواطف (بإستثناء حبهم للحقيفة ) ومنه فقد اصبحوا مصدرا لاضفاء شرعية الايدولوجيا والمدخل لوعى الجمهور .
فحين يقول كونراد لورينز أحد الحائزين على نوبل فى ورقة علمية عن سلوك الحيوان كتبها فى المانيا 1940 اثناء حملة الابادة النازية “:إن إنتخاب الصلابه والبطوله والنفعية الاجتماعية … هو مما يجب أن ينجزه بعض المؤسسات البشرية اذا كنا لا نريد للجنس البشرى فى غياب العوامل الانتخابية أن يناله الخراب من إنحلاله إنحلالا مبعثه الاستئناس وفكرة العنصرية أساسا للدولة قد انجزت يالفعل فى هذا الصدد “، فإنه ينبغى على الجموع ألا تعارض تحت أى مسمى قيمى.
لورنز هنا يطبق فحسب نظرية مؤسس حركة تحسين النسل السير فرانسس جالتون اللذى تعجب لأن ” ثمة من يعارض معارضة يعوزها المنطق القضاء التدريجى على أى جنس منحط ” ، على ان هذه العملية التدريجية عند جالتون أصبحت بدلا من ذلك عملية اسرع على يد اصدقاء لورنز الاكفاء .
ربما يتهمنا أحدهم بالمبالغة فى الاهتمام بأراء مثل هذه ، وهذا غير صحيح فسبب ذلك هو أن العلم المادى بوصفه مؤسسة فى المجتمع الغربى المعاصر قد وصل الى أن أضفيت عليه السلطه التى كانت تعطى للكنيسة وحينما يتحدث العلم (وهم بالعادة رجال مأدلجون لهم أراء مسبقه سياسية وعقائدية كما بينا سابقا ) فيجب على الكل ان يصمت.
لكن هذه مثل هذه النظريات العنصرية ما لبثت أن إنهارت وتنحت عن السيطرة على الساحة العلمية بعدما فقدت الدعم الأيدولوجى السياسى بشكل كامل بعد الحرب العالمية الثانية التى شهدت الكثير من الجرائم العنصرية البشعه وأعلن رسميا عن تجريم التوجه العنصرى وكافة الافكار والمعتقدات حوله وفى عام 1950 اعلنت اليونسكو ان سبب منع هذه النظرية هو” سياسى أمنى أكثر من كونه علميا “.
ومن هنا نستخلص السبب الرئيسى الذى يجعل نظرية علمية تسود أو تسقط هو ليس مدى مصداقيتها أو شعبيتها أو قوة حجتها بل هو سبب سياسى ايدولوجى فى المقال الاول .
وفى نفس الإطار لعبت الايدولوجيا الالحادية المادية دورا قديما من خلال محاولة تبسيط الحقائق بصورة مشينه وهذا ما ميز علماء الفسولوجيا والكيمياء البيولوجية فى القرن التاسع عشر، ففى عام 1845 أقسم أربعه من الفسيولوجين هم هلمهولتز ولودفيج وديبوا ريمون وبركه بأن يفسروا كل العلميات الجسدية بلغة فيزيوكيمائية وتبعهم الكثيرون فى ذلك فمثلا كا موليشوت وفوكت من الماديين المكانيكيين اللذين زعموا أن البشر هم ما يأكلون وأن العبقرية هى مسألة فسفور وأن المخ يفرز الفكر كما تفرز الكلية البول . وكان معروفا أن الكثير منهم من عتاة الملاحدة .
على أنه كان من المطلوب حتى تكتمل صورة العالم فى المذهب الميكانيكى المادى إتخاذ خطوة أخرى هامة بشأن مسالة الطبيعه وأصل الحياة نفسها ، فسر علاقة الحى باللاحى كان فيه مفارقة بالنسبة لأتباع الميكانيكية الاول ، فلو أن الكائنات الحية هى مجرد كيماويات لكان ينبغى أن يصبح فى الامكان إعادة خلق الحياة من خلطة فيزيوكيماوية مناسبة غير أن مبرهنة باستير كانت صادمة فى إثباتها أن الحياة لا تنبثق إلا عن حياة ومن هنا يصل نوع أخر من الحلول التبسيطية هو “الداروينية “.
وهكذا وجدت المادية الغربية أعظم الفرص فى تلك النظرية لأدلجة الإلحاد حتى يومنا هذا .