أمور غامضة عن الجنس البشري لم يتمكن العلم من حلها بعد – الجزء الأول

بعد مضي مئات الآلاف من السنين على وجودنا على هذا الكوكب الأزرق واستعماره، اكتشفنا قدرًا لا بأس به من المعلومات عنه، والأهم أننا اكتشفنا الكثير عن أنفسنا، لقد تمكنا من معرفة أجسامنا بشكل دقيق ومفصل وتوصلنا لأدق العمليات الحيوية التي تجري بداخله وراقبناها عن كثب، وأدركنا الداء وتعلمنا كيفية صنع الدواء، وفهمنا الغذاء ودوره في الجسم هو والماء، لقد أدركنا مراحل نشأتنا بدءًا من النطفة ووصولًا إلى الشيخوخة، ولكن بالرغم من كل ذلك التقدم والمعرفة التي حققناها لا زالت هناك بعض الأسئلة البسيطة التي لم نجد لها إجابات محكمة بعد.


الألم


The-Word-Pain_Borders


الألم عبارة عن شعور غير مريح ولكنه مشترك بين كل البشر، إنه أحد أوائل الأشياء التي نواجهها في حياتنا، عندما يتم انتزاعنا فجأة من أرحام أمهاتنا، كما أنه سيكون آخر ما نواجهه في الحياة أيضًا عندما يحين وقت رحيلنا. ولكن ما هو الألم تحديدًا؟ وكيف يحدث؟ ولماذا نشعر به؟ وهل نشعر به جميعًا بنفس الطريقة أم يختلف من شخص لآخر؟ إذا كانت هذه الأسئلة جعتلك أكثر اهتمامًا بهذه القضية وتشعر بالحزن لعدم استطاعتك الإجابة فلا تقلق لأن العلم والعلماء لم يتمكنوا من الإجابة أيضًا. إن كنت تعاني من الألم المزمن ربما تجد القليل من العزاء في حقيقة أن العلماء والأطباء لا يمكنهم فهمه، في الواقع الخبراء لا يمكنهم الاتفاق على ماهية الألم حتّى اللحظة، الألم أمر معقد ويتحدى قدراتنا لإيجاد تعريف واضح له، الألم أكثر من مجرد نبضات عصبية أو تنبيغات حسيّة، الألم خليط معقد من المشاعر والأحاسيس والثقافات والخبرات والمعتقدات الروحية والحسيّة. في الموقع الرسمي للأكاديمية الأمريكية لإدارة الألم وعلاجه ستجد إجابتهم على سؤال ما هو الألم كالتالي: “إحساس غير مريح واستجابة عاطفية وشعورية لذلك الإحساس”.


158db4_01b196c4d85941d592699ce50046d724.jpg_srz_764_510_85_22_0.50_1.20_0


أحد الطرق لتصنيف الألم وربما التغلب عليه هي التفريق بين الألم المزمن Chronic والألم اللحظي الحاد Acute. الألم اللحظي هو ما تشعر به عندما تصيب المطرقة إصبعك بدلًا من المسمار أو عند التواء كاحلك أو عندما يحترق جزء من جسدك، بينما الألم المزمن عبارة عن ألم مستمر طويل الأجل وأكثر إحباطًا، قد يحدث نتيجة إصابة ما أو عدوى فيروسية في الأعصاب أو الضرر العصبي للمفاصل وتنكس وضمور العظام. أحد أنواع الألم المزمن يطلق عليه Neuropathic ويحدث نتيجة تلف الأعصاب وليس نتيجة الإصابة الفعلية التي أدت لذلك، وهناك دراسات حديثة تشير إلى أن هذا الألم يمكن أيضًا أن ينتقل عبر الأعصاب الأخرى غير التالفة. يفرق العلماء أيضًا بين الألم المستحضر (اطرق بمطرقة على إصبعك عمدًا ليصلك المعنى) وبين الألم العفوي أو التلقائي الذي لا تجد له سببًا خارجيًّا واضحًا. الألم الحاد اللحظي يكون في الغالب مُستحضرًا، أي له سبب خارجي واضح، أما الألم المزمن فقد يكون مُستحضرًا أو تلقائيًّا. الألم التلقائي الناتج عن الألم المزمن قد يستمر لفترات طويلة دون توقف ويشبه الإحساس بالحرق أو قد يكون متقطعًا ويشبه الإحساس بالطعن أو الوخز (نعم هذا ما يشعر به أغلبنا من حين لآخر).


في الوقت الحالي العلماء يقتربون من فهم طبيعة الألم من خلال تحليل أنواع الألياف العصبية التي تقوم بنقله، وطريقة وصول تلك الإشارات إلى دماغك وكيفية معالجة دماغك لها، الأعصاب الموجودة في أجسامنا تقوم بدور هام جدًّا وهو أن تخبرنا عند وجود خطر ما مثل الاقتراب من سطح ساخن أو عندما يرغب الجسم في الراحة أو العلاج. آلاف النهايات العصبية المسؤولة عن الشعور بالألم يمكن أن تجدها في مساحة صغيرة جدًّا في إبهامك أو فقرات العمود الفقري أو أي مكان آخر في جسدك. هناك أنواع كثيرة من الأعصاب منها ما يشعر بالبرودة ومنها ما يشعر بالحرارة أو الضغط أو الألم، وتلك المسؤولة عن الشعور بالألم يطلق عليها Nociceptors وتجدها بكثرة في الأطراف والأصابع حيث تكثر الإصابات، وتطلق هذه الأعصاب إشاراتها نحو العمود الفقري وعندما يصبح مسبب الألم أقوى تزيد من سرعة وكثافة الإشارات التي ترسلها. في الحبل الشوكي، تتسبب هذه الإشارات الكهربية في إفراز مواد كيميائية تسمى الناقلات العصبية Neurotransmitters وتقوم بتنشيط خلايا عصبية أخرى تعمل على معالجة وإرسال تلك المعلومات إلى الدماغ، واعتمادًا على مدى شدة مسبب الألم يتم تحديد السرعة التي سيتم بها إرسال تلك المعلومات للدماغ ليتخذ الاستجابة المناسبة.


Nociception-1024x903


نوع الألم الذي تشعر به مزمن أو لحظي من المرجح أنه يعتمد على الخلايا العصبية المسؤولة عن نقل الألم nociceptive التي ذكرناها، حيث تحمل الخلايا الأكبر حجمًا إشارات الألم بسرعة أكبر للدماغ وتتسبب في الشعور بالألم الحاد أو الوخز اللحظي، بينما تتسبب الخلايا الصغيرة أو الرفيعة في الألم المستمر الذي لا يطاق ولا يمكننا تحمله. يتم معالجة إشارات الألم في منطقة المهاد thalamus في المخ ثم يقوم المهاد بنقل الإشارة إلى ثلاثة أماكن وهي:


  • Somatosensory cortex (physical sensation): قشرة أو لحاء الدماغ المسؤوولة عن الشعور المادي

  • Limbic system (emotional feeling): النظام الحوفي المسؤول عن الشعور العاطفي

  • Frontal cortex (limbic system): القشرة الأمامية

يقوم الدماغ بعد ذلك بأخذ الإجراءات المناسبة للابتعاد عن مصدر الألم أو القضاء عليه، وقد يفرز مواد لتخفيف الألم مثل الإندورفين endorphins. في حالة الألم المزمن والذي لا يكون له سبب واضح في أغلب الأحوال الأمر يكون أكثر تعقيدًا ولا يسهل فهمه.


بدءًا من العلماء الذين يدرسون الألم والباحثون الذين يصممون الدواء لعلاجه والأطباء الذين يصفون لك ذلك الدواء، أحد منهم لا يمكنه حتّى أن يتفق على تعريف واحد لمعنى الألم. الأمر محيّر بالفعل، ولتوضيح ذلك لنأخذ حالة fibromyalgia كمثال، وهي عبارة عن حالة طبية أفضل وصف لها هو “كل شيء يؤلم” ولا يوجد أي اختبارات يمكن أن تبيّن ما إذا كنت مصابًا بها، لا تحليل للدم ولا مسح للدماغ بالأشعة يمكن أن يؤكد ذلك، إذًا كيف يتم تشخيص هذه الحالة؟ في الواقع عليك أن تملأ استبيانًا معينًا وتجيب على أسئلته، في حالة وجود آلام لا يمكن وصفها في أنحاء مختلفة من الجسم وليس بإمكان الأطباء تشخيصها فهذا ينبئ بالإصابة بـfibromyalgia وإلا فعليك أخذ الاستحواذ الشيطاني والكائنات الفضائية بعين الاعتبار.


هناك بعض العقاقير التي سمحت منظمة الغذاء والدواء بها كعلاج لهذه الحالة لأنها على ما يبدو تقدم بعض المساعدة للمصابين ولكن لا أحد يعلم لماذا أو كيف أو ما إذا كانت هذه حالة مرضية من الأساس. هناك بعض التقنيات المتطورة جدًّا استخدمها بعض الأطباء ولاحظ اختلافًا في صور المسح الدماغي الخاص بالمصابين بـfibromyalgia، ولكن لا يوجد اختلاف ثابت بين المرضى يمكن الاعتماد عليه وبالتالي لا يمكن لأي طبيب أن ينظر إلى دماغك ليخبرك أنك مصاب بتلك الحالة، كما لا يمكن لأي طبيب أن يحدد مقدار الألم الذي تعاني منه؛ لأننا ما زلنا نأخد خطواتنا الأولى نحو معرفة طريقة اكتشاف الألم في نشاط الدماغ. في الوقت الحالي لا يوجد أية طريقة طبية لمعرفة المشاعر أو مقدار الألم الذي يعاني منه شخص ما سوى عبر سؤاله. [لمعلومات أكثر 1 2 3 4 5 6 7]


التثاؤب


yawn


التثاؤب يعد من الأمور المحيرة والمدهشة بالنسبة للعلماء لسببين أساسيين، أولهما أن التثاؤب لا يبدو أنه يخدم غرضًا معيّنًا. إذا شعرت بالرغبة في التثاؤب وقمت بكبحها ما الذي سوف يحدث؟ هل ستصاب باضطرابات؟ هل ستتعذب من الألم؟ في الواقع لن يحدث شيء. السبب الثاني الذي يدفع الباحثون للحيرة هو الطبيعة المعدية للتثاؤب، إذا قمت بالتثاؤب أمام أي أحد ستعتريه رغبة في التثاؤب أيضًا، الأمر ليس بين البشر فقط ولكنه يمتد للحيوانات الأخرى مثل القردة والكلاب وقد تتثاءب هذه الحيوانات إذا ما رأت إنسانًا يتثاءب أمامها أيضًا، وليس من المستبعد أن تكون قد تثاءبت الآن لمجرد قراءتك لكلمة تثاؤب عدة مرات.


1389591439_zevaem012


بالطبع هناك تفسيرات للأمر لعلكم قرأتموها في كتب المرحلة الابتدائية أو على الإنترنت ولكنها كلها فرضيات غير مؤكدة، منها مثلًا أن انخفاض مستوى الأكسجين في الدم يتسبب في حدوث التثاؤب لجمع قدر أكبر من الأكسجين، ولكن تبين مؤخرًا عدم صحة هذه الفرضية وأن التثاؤب في حقيقة الأمر يقلل مقدار الأكسجين الواصل للجسم، وهو أمر منطقي في الواقع، فأنت لا ترى الرياضيين يتوقفون لأخذ قسط من التثاؤب وهم في أمس الحاجة للأكسجين أثناء التمرين. من الفرضيات الأخرى المنتشرة أن التثاؤب عبارة عن وسيلة الجسم للتحكم في درجة حرارة الدماغ، على ما يبدو أن أصحاب هذه الفرضية ينظرون للدماغ كمحرك السيارة تمامًا، هل تلاحظ كمية التثاؤب الذي تقوم به وأنت ترتدي القبعة حيث ترتفع درجة حرارة رأسك أو عندما تصاب بالحمى؟ أنت لا تتثاءب على الإطلاق! بالنسبة لقضية عدوى التثاؤب فيرجح البعض أنها بسبب غريزة القطيع أو الجماعة الفطرية لدى البشر، ولكنها تبقى نظرية غير مؤكدة أيضًا، وبالتالي لا يوجد إلى اللحظة تفسير مؤكد لأي من التساؤلات المحيطة بالتثاؤب الغامض. [لمعلومات أكثر 1 2 3]

تأثير الدواء الوهمي


feel-better


المقصود بتأثير الدواء الوهمي أو Placebo هو تحسن شخص مريض أو يعاني من شيء ما بعد أخذ دواء ليس له أي تأثير على ما يعاني منه. في الواقع معظم تجارب الدواء الجديدة تتضمن مجموعتين من المرضى مجموعة يتم إعطاؤهم جرعات حقيقية من الدواء الذي يتم اختباره ومجموعة يتم إعطاؤها دواء آخر ليس له تأثير على الإطلاق، ويتم هذا الأمر عشوائيًّا. قد يبدو من الواضح كيفية حدوث هذا التأثير لكم، إذا أخبرك شخص ما أنه يشعر بالغثيان فتعطيه حبة سكر أو كوب من الأعشاب وتؤكد له أنه سوف يساعده على التحسن كما حدث معك فيتوقف الشخص عن القلق والانشغال بمعدته فتهدأ معدته، أو كما يحدث في العقاقير الجنسية التي تحسن القدرة الجنسية من خلال جعل من يتعاطاها يعتقد أنه تعاطى شيئًا يزيد من القدرة الجنسية ولكنها في الواقع لا تفعل، ولكن في الواقع تأثير الدواء الوهمي مسألة معقدة أكثر من ذلك.


placebo-effect-640x290


العقاقير الوهمية يمتد تأثيرها من بثور الوجه إلى أمراض القلب والربو، بل أن بعض الأطباء تمادوا وأجروا عملية جراحية مزيفة للركبة وكانت نتائجها على المريض كالحقيقية تمامًا. بالرغم من ذلك هناك خلاف بين العلماء ما إذا كان تأثير الدواء الوهمي حقيقي أم لا وبعضهم عزى عمليات الشفاء والتعافي التي حدثت بعد تناول دواء وهمي إلى قدرة الجسم الطبيعية على التعافي، تمامًا كما يحدث عندما تتعافى تلقائيًّا دون الذهاب لرؤية طبيب. بشكل ما يعتبر هذا الأمر مربك، فهناك دراسات تؤكد أن الدواء الوهمي يتساوى في التأثير مع الدواء الحقيقي بنسبة 50 إلى 60 في المئة من الحالات، ما زالت هناك نظريات وفرضيات أخرى تحاول تفسير هذه الظاهرة ولكن أغلبها قائم على الظن والترجيح بدون استدلال، أضف إلى ذلك حقيقة أن هذه الظاهرة أمست أكثر قوة وتكرارًا في السنوات الأخيرة وستحصل على لغز جديد يمكنك إضافته لقائمة الألغاز التي لم يتمكن العلم من حلها بعد. [لمعلومات أكثر 1 2 3 4 5]

الأحلام


o-SLEEP-DREAM-5701-805x450


الأحلام أمر مشترك بين جميع البشر تقريبًا (هناك بعض البشر لا يحلمون على الإطلاق) والعديد منا مهووس بتفسير وترجمة هذه الأحلام، ولكننا في الواقع لا نشغل أنفسنا بما هو أهم، لماذا نحلم؟ في الواقع إذا بدأت في البحث الآن عن السبب فيجب أن تعلم أننا لا نعرف الكثير عن سبب حدوث الأحلام ولا عن الغرض منها. نظرية Sigmund Freud الشهيرة والقديمة كانت تفترض أن الأحلام عبارة عن تعبير عن رغباتنا اللاواعية، ولكن أغلب العلماء لا يعتقدون بصحة هذه النظرية اليوم، آخرون يعتقدون أن الأحلام وسيلة يستخدمها الدماغ من أجل تكوين أفكار جديدة من خلال “طفرات الأفكار العشوائية“، ونظرية أخرى ترى أن الأحلام وسيلة الدماغ لتنظيف نفسه والتخلص من الأفكار عديمة الفائدة. بالطبع أنتم تمامًا مثلي لا تتفقون مع هذه النظريات وكذلك معظم العلماء.


rem-misterija-fazi-09


إذا أضفنا أن الحيوانات أيضًا تحلم سيصبح الأمر أكثر تقعيدًا وسيتضح أن معظم النظريات السابقة وإن صحت في حالة البشر لا يمكن أن تكون صحيحة في حالة الحيوانات، والأغرب من ذلك أن الأحلام تتأثر بالعوامل الخارجية أكثر مما بداخل رؤوسنا، الأصوات والروائح حولك أثناء نومك قد تؤثر بشكل ملحوظ في محتوى الحلم الذي يراودك، أعتقد أنه يجب عليك الآن أن تسأل مفسر الأحلام إذا ما كان قد أخذ مغناطيسية الأرض في الحسبان قبل تفسير حلمك أم لا. [لمعلومات أكثر 1 2 3]

شاركونا أراءكم عن هذه الأمور في التعليقات، وانتظروا الجزء القادم ومجموعة أخرى من الأمور الغامضة المتعلقة بالجنس البشري.