في هذا الوقت بالتحديد يمر العالم فترة تخطيط و دراسة للعديد من المشاريع و الأفكار التي للأسف لم يتم تحقيقها سابقاً سواء لأن التكنولوجيا في ذلك الأوان لم تكن قادرة على تنفيذها أو لأن العالم لم يكن مستعداً لها. رغم أن فكرة التدريج يمكن أن تشرح لماذا ينتظر العالم سنوات و سنوات إلى حين أن تنتقل إحدى الأفكار إلى واقع… ففكرة السفر إلى الفضاء مثلا بدأت في روايات الخيال العلمي و لعل كتابات الروائي الكبير Jules Verne كانت سباقة, تم انتقل العالم إلى ثورة الصواريخ إبان الحربين العالميتين و أصبح نظرياً السفر عبر الفضاء ممكنناً, ثم تطورت وسائل الاتصالات في الخمسينات و الستينات و أخيراً تم إطلاق أول مركبة فضائية إلى الفضاء الخارجي على يد روس و كان الرائد Youri Gagarine أول إنسان يصل إلى الفضاء الخارجي، إنه التدرج الذي يجعل العالم ينتظر سنوات كثيرة من أجل تحقيق فكرة تسيطر على العقول .
و لأن سنن الكون لا تتبدل و لا تتغير ففي هذا العصر أيضاً وضع الجنس البشري أهداف عظيمة لتحقيقها سنحاول ذكر أبرزها و أكثرها تأثيرا على حياتنا.
بعد زيارة القمر، حط العالم نصب عينيه الكوكب الأشبه بالأرض، و بدأت العديد من المشاريع و التقييمات و الدراسات لإتمام أول عملية غزو فضاء إلى الكوكب الأحمر. و لنكن صادقين فإن هناك مشكلة جوهرية تواجه العالم إذا هو أراد زيارة المريخ…
كما هو معلوم أن جل الرحلات الفضائية الحالية تتم عبر الوقود السائل المكلف و لزيارة كوكب المريخ سنحتاج إلى كمية مهولة منه، غير هذا و ذاك سيحتاج الأمر إلى 9 أشهر من السفر أي نفس المدة من التعرض للإشعاعات الكونية و انعدام الجاذبية التي تؤدي إلى تدني كثافة عظام وعضلات رواد الفضاء. أحد رواد الفضاء السابقين أتى بحل لهذه المعضلة و ذلك بتغير المصدر الطاقي للمركبات الفضائية من الوقود السائلة إلى الطاقة البلازمية. إسمه Franklin Chang Díaz , الفكرة ببساطة وجود محرك يقوم بتسخين البلازما إلى درجات كبيرة جداً و عبر مغناطيسات كبيرة و أشعة راديو يتم تحفيز هذه البلازما لتقوم بدفع المركبة بسرعة خارقة و يمكن من خلالها قطع المسافة إلى المريخ خلال 3 أشهر أي 1/3 من مجموع الفترة السابقة. سمي هذا المشروع ب VASIMR .
الفكرة الأسمة هي الوصول إلى المريخ ليس للزيارة فقط إنما ككوكب ثاني و ربما بديل للأرض و ذلك بسبب الزيادة السكانية الكبيرة التي يعرفها العالم. و الذي يقودنا إلى فكرة ثانية هي فكرة استصلاح المريخ و مسماة Terraforming و التي تتعدد أساليبها, لكن الهدف منها جعل العناصر الأساسية للحياة موجودة على المريخ من الهواء و الماء و الحرارة المعتدلة في مدة تتراوح بين 100 سنة و آلف سنة.
تعتبر شبكة الإنترنت شبكة عالمية حرة و مفتوحة للجميع باستثناء مشاكل الرقابة و التجسس و الاختراق الإلكتروني و المشكل الأكبر أن الاتصال بالشبكة ليس مجانياً.
كما يظن الكثيرون أحد الأخطاء التي وقع فيها مؤسسوا الشبكة أنها لم تكن مجانية للأسف، الأمر كان محتماً فالشبكة تعتمد بشكل كبير على الكابلات البحرية و التي تحتاج إلى أموال ضخمة لإنشائها و إصلاحها بعد العطب، زيادة على ذلك لا بد من مزود خدمة يقوم بتطوير بنية تحتية في دولة ما و يقوم بربط هذه الدولة بالشبكة العالمية .
سواء كنت تستخدم الاتصال عبر ADSL أو عبر الاتصال اللاسلكي عبر شبكات الجيل الثالث أو حتى الرابع فأنت تمر عبر مزود الخدمة الذي ينقلك هو الآخر الى الخادم الذي تريد SERVER الذي بدوره يقوم بإجابتك على طلبك و هذا مبدأ عمل برتوكول http الذي يعتبر أساس الويب اليوم.
و لمحاولة حل هذا المشكل وضعت حتى الأن 3 مشاريع أحد هذه المشاريع يسمى Outernet و تقوم على إنجازه منظمة غير ربحية تسمى Media Development Investment Fund
تقنياً مبدأ عمله جد سهل و لا يعتمد على أي تكنولوجيا جديدة إذا قمنا بتجاهل CubeSats التي هي مجموعة أقمار صناعية صغيرة ستقوم بعمل الراوتر المنزلي Wireless router و نشر شبكة لاسلكية WIFI في جميع أنحاء العالم و ستكون مفتوحة و غير مشفرة كتلك الموجودة في الحدائق و المنتزهات العامة. المشكلة أنك لن تكون قادراً على الاتصال بكافة المواقع بل بمواقع محددة كويكيبيديا مثلا. المشروعين الأخرين هما مشروعين ربحيين تقوم بهما شركة Google و شركة Facebook كلا المشروعين يعتمد على طائرات تعتمد على الطاقة الشمسية يمكنها التحليق لمدة 5 سنوات متتالية دون انقطاع و ستقوم هذه الطائرات بتوفير الاتصال للمناطق التي تمر فوقها.
كل تلك المشاريع تكرس الدعوة الملحة إلى جعل الإنترنت شبكة حرة ، مجانية و غير مملوكة لأحد و يستطيع أي أحد استخدمها مهما كانت لغته أو بلده و بدون مقابل.
هذه الفكرة ليست بالجديدة و تعتبر مشكلا فكرياً و فلسفياً قديماً لم يستطع الإنسان التغلب عليه حتى الآن. ففي العالم هناك آلاف اللغات لآلاف الأعراق و المعضلة هي حتما معضلة تواصل و محاولة فهم الآخر و التجاوب معه رغم الفروقات الثقافية و الفكرية و التي هي حقيقة على أرض الواقع.
إحدى المحاولات كانت إنشاء لغة مستحدثة و كانت هذه إحدى بنات أفكار Ludwik Łazarz Zamenhof الذي قام بإنشاء لغة Esperanto التي هي لغة مصطنعة سهلة كبديل لجميع لغات العالم و فشلت الفكرة للعديد من الأسباب و منذ ذلك الوقت حلم الجميع بذلك الجهاز التقني التي يقوم بتحويل لغة المتحدث معك إلى اللغة التي تفهمها و قد ظهر أول مرة هذا المبدأ في السلسلة الشهيرة Star Trek و يمكن القول أن أداة مثل هذا القبيل موجودة لكن ليس بجودة و الكمال الذي ننتظره.
حتى تستطيع تلك الأداة التي ليست سوى حاسب مصغر العمل بالدقة المطلوبة يجب أن تتطور العديد من التقنيات كالذكاء الصناعي و المعالجات المعلومات و وسائل التخزين و البرمجيات التي تحلل اللغات… زيادة على تقنيات التعرف على الصوت و تحليله رغم الضجيج, و هذا يقودنا إلى فكرة التدريج التي سبق و ذكرها حيت لن يصل الإنسان إلى مثل هذا الجهاز إلا بعد أن تتطور كل تلك التقنيات.
تسبب الحقنة العادية العديد من المتاعب النفسية و آلام الجسدية للكثير من الناس، ثم ما تتركه من أثار على الجلد و إذا لم يكن الحاقن على دراية فيمكنه إحداث بعض المضعفات للمحقون، غير هذا و ذاك يعتبر ألم الوخز مبرحاً خصوصاً للأطفال.
البديل بسيط، شريط لاصق يوضع على الجلد لمدة 15 دقيقة و يقوم بما تقوم به الإبرة بدون ألم , الأمر حقيقة واقعة لكن المجال الطبي يقتضي التجربة المخبرية على الحيوانات ثم التجربة البشرية ثم دراسة كيفية استجابة الجسم لهذه الحقنة الجديدة، كل هذا يتطلب بعض الوقت إلى حين أن يتم المصادقة التجارية عليه قد تم تسمية آلية عمل هذه الإبرة ب Pain-Free Injection System.
أحد مميزات المشروع المهمة أن هذه الإبر الجديدة غير مكلفة باعتبار أنها مصنوعة من مركب البوليمر الشائع و الذي يمكن الحصول عليه بطرق عديدة و باستعمال عدة معادن أو مواد عضوية و هذا ما يجعل الإبرة أكثر أماناً و أقل تمنناً خصوصاً في الدولة النامية.
أما كيفية عمل هذه الحقنة فالأمور لم تتغير كثيراً عن الحقنة العادية من ناحية الفكرة الأساسية فهذا الشريط البوليميري يحتوي على العديد من الإبر الصغيرة و التي لا يحس بها المحقون. الهدف التالي كان تغير الشريط التجريبي بحقنة حقيقية تحتوي على مكان حمل السوائل ينتهي برأس دائري يحتوي على المئات من حقن البوليمر الدقيقة التي تقوم بحقن السوائل داخل الجسم كما تقوم الإبرة التقليدية بذلك.
ثورة على وشك الحدوث إذا ما تم الانتهاء من جهاز يمكنه أن يتيح التنفس للغواصين تحت الماء. حتى الأن يحتاج الغواص إلى عدة معقدة تضم أسطوانة الغاز الذي يحتوي على الأوكسجين و صمام يتيح التحكم في الضغط و أخيراً جهاز يقوم بمعالجة ثنائي أوكسيد الكربون الناتج عن عملية الزفير.
هذه الآلية المعقدة و الثقيلة الحجم يمكن أن يتم تبسيطها في جهاز واحد يقوم بفصل جزيئات الأوكسجين من الماء دون الحاجة إلى أسطوانات الغاز الثقيلة. كيفية عمل الفصل معقدة جداً تقنياً رغم أن كل الأسماك و الكائنات البحرية تمتلك هذه التكنولوجيا منذ القديم. يسعى العلماء حالياً إلى محاكاة هذه التكنولوجيا في جهاز سيحدث ثورة في مجال الغطس و سيسمح للغطاسين البقاء في الماء لفترات أطول بكثير و سيقلل من مخاطر الغطس في الأعماق و يقلل من عدد الوفيات الناتجة عن الاختناق.
المشروع سمي ب Triton oxygen mask و ثم اقتباس الفكرة بالفعل من خياشيم السمك يحاكيها أنبوبان على ميسرة و ميمنة الجهاز و إلى حين صدور أول جهاز تجريبي سيكون بالإمكان ضمان عملية الجهاز رغم أن الأمر علمياً يعتبر واقعاً و مؤكداً رغم الصعوبة التقنية.
هناك مشروعان علميان لاسترجاع نوعين من الحيوانات المنقرضة، النمور التسمانية و هي نوع من القططيات تشبه الكلاب أو ذئاب و يميل فرائها المخطط إلى النمور تمت إبادتها من الصيادين بسبب سوء الصيت التي كانت تحظى به و كانت تلقب ب شيطان تسمانيا . أما الحيوان الثاني فهو الماموث من فصيلة الفيلة، أضحم و أكبر من أي فيل حالي، وله نابان من العاج ضخمان. لماذا هما الاثنان بالتحديد ؟ السبب بسيط أن العالم استطاع الوصول إلى الحمض النووي DNA حتى بعد انقراضهما!
أما الماموث فالجثة المثالية التي وجدت في سيبيريا جعلت بالإمكان الوصول إلى الحمض النووي بصورة مقبولة، أما النمور التسمانية فلم تنقرض إلا خلال القرن العشرين و آخر نمر تسماني تم حفظ بعض أعضائه في برطمان لحد الآن. لذا أمكن العلماء الوصول إلى كلا الحمضين بصورة جيدة إلا أنه وجدت بعض النواقص في الشفرة الجنية الأمر يشبه إعطائك رقم هاتف غير مكتمل أو سمفونية تنقصها بعض الصفحات لهذا قام العلماء مثلا بمقارنة تلك النواقص عند الماموث بالفيلة لتكملة الشيفرة الناقصة و بالتالي أمكن تحقيق بعض التقدم.
زيادة عن كل تلك المعضلات هناك الكثير من اللغط يصاحب هذا النوع من المشاريع و ذلك نتيجة المشاكل الأخلاقية التي يمكن أن يتحملها القائمون عليه، فإرجاع كائن منقرض إلى الحياة يجب أن يكون بموافقة كل العالم و إن كانت بعض آثار السينما الهوليودية قد فعلت فعلها و تتبادر إلى الأذهان تلك المخلوقات الخطيرة التي ترجع إلى العالم بعض أن استراح منها. و الجدير بالذكر أن للدكتور Hendrik Poinar محاضرة شيقة بعنوان ” إعادة الماموث الصوفي إلى الحياة” يمكن الاطلاع عليها في صفحة مؤتمرات TED كما للدكتور Michael Archer محاضرة آخرى يشرح فيها جلياً فكرة إعادة النمر التسماني بالإضافة إلى نوع من الضفادع يسمى الضفدع المعدي المكتئب يبتلع بيضه أثناء فترة الحضانة مما مكن من الوصول إلى حمضه النووي يمكن الاطلاع عليها هنا.
في الطيران الجوي يعتاد الطيارون استخدام القيادة الأتوماتكية أو الذاتية بشكل كبير و قد أمكن ذلك بسبب التقدم الكبير في مجال أنظمة الحاسب و البرمجة، لكن هناك سبب آخر بسيط أن السماء الواسعة لا تحمل منعطفات أو طرق مكتظة أو حفر أو آلاف السائقين المتهورين…
فيما يخص السيارات فمع كل ذلك التقدم الميكانيكي لازالت حتى الأن تُقاد بشرياً بشكل كامل. إنشاء نظام إلكتروني يتيح القيادة الذاتية أمر معقد فهو يشمل خوارزميات ذكية و حساسات متطورة و أنظمة حاسب عالية القدرة. تعهدت شركة Google عملاق البحت على أن تخطوا هذه الخطوة و قد ظهرت أول هذه السيارات محملة بأجهزة و كاميرات ضخمة الذي يظهر أن سيارة الذاتية القيادة ممكنة لكن الطريق إليها مازال طويلا.
تعتبر مشكلة الأمان عقبة حقيقة في وجه هذا المشروع، فحتى يستطيع البشر استعمال القيادة الذاتية عليهم أن يكونوا متأكدين أن النظام لن يتوقف بشكل مفاجئ و لن يخطئ بين إشارة حمراء و صفراء مثلا.
تطرق عالم الإبداع إلى مشروع مصعد الفضاء في هذا الموضوع. الفكرة ببساطة بناء مصعد بكابلات من الأرض إلى محطة فضائية فكما هو معلوم إرسال الصواريخ عبر الفضاء مكلف و لا ينجح دائما. لهذا تم التفكير بمصعد إياباً و ذهاباً من نقطتين A و B، رغم العلو الشاهق إلا أنه هندسياً طالما أمكن الجمع بين صفتي المثانة و الخفة فالإمكانية واقعة و يعتبر هذا هو بيت القصيد، و لحل المشكل تم الاعتماد على تكنولوجيا النانو فائقة الصغر و ذلك بإنشاء أنابيب من الكاربون تسمى ب Buckytubes أوCarbon Nanotube.
للأسف مازال العالم يحبو لإنتاج هكذا أنابيب بهذه الخفة و بتلك الصلابة و المثبت أنه لن نرى مصعداً إلى الفضاء في العقد القادم.