إبداع الطب في الحضارة الإسلامية

تمحور هدف الطب في الإسلام حول ما جاء بالقرآن والسنة فيما يخص أهمية الاعتناء بالمرضى وتخفيف آلامهم. ونرى الطفرة الملحوظة في البحوث الطبية بالحضارة الإسلامية عملا بما جاء في الحديث الشريف بأن الله لم يخلق الداء إلا وقد خلق له الدواء. وبينما كانت أوروبا غارقة في الظلمة…صارت ممارسات الطب في البلدان الإسلامية أقرب إلى ما هى عليه اليوم.


 



البيمارستان


image003 قبل العصور الوسطى، كان الإغريق لديهم ما يدعى “معابد الشفاء”، وكانت الرعاية الصحية بها تقوم على فكرة العلاج بـ “المعجزات” بدلا من استخدام التحليل العلمي والممارسة الطبية.

بدأ إنشاء المستشفيات الإسلامية من القرن الثامن الميلادي وفي ذلك الحين كانت تدعى المستشفى “البيمارستان” وهى كلمة فارسية تعني “بيت المرضى”.

وكانت مستشفى أحمد بن طولون بالقاهرة هى أول مستشفى بالمعنى الحقيقي، وكانت تعالج المرضى وتعطيهم الدواء بالمجان…كما أنها تضمنت قسمًا خاصًا للأمراض العقلية.

وفي القرن التاسع كان مستشفى القيروان بتونس يعالج مرض الجذام بينما كان الغربيون يعتبروه إصابة من الشيطان!




موقع المستشفى


image005


حينما تلقى الطبيب العالم أبو بكر الرازي طلبًا لاختيار موقع بناء مستشفى في بغداد، قام بالاستناد على التفكير العلمي وأجرى تجربة علمية. قام الرازي في تجربته بتعليق قطع من اللحم في مواقع مختلفة حول المدينة، وقد وقع اختياره على المكان الذي كان فيه اللحم أقل عفونة وتلفا حيث كان يعتقد أن المرضى في ذلك المكان سيكونون أقل عرضة لتلف الأنسجة. وقد تولى الرازي إدارة المستشفى بنفسه حيث أجرى معظم أبحاثه التي تركت بصمة في تاريخ الطب الإسلامي.




المستشفى التعليمي


مستشفى-النوري


بدأ مفهوم المستشفى التعليمي قبل 800 عام مضت، ومن بين أشهر المستشفيات التعليمية كانت مستشفى النوري في دمشق والتي تأسست بالقرن الثاني عشر الميلادي. كان طلبة الطب يتلقون تعليمهم على أيدي الأطباء الممارسين بالمستشفى، وقد كان تعليمهم يتضمن جزءا نظريا حيث يتجمع الطلاب في قاعة كبيرة للقراءة من مخطوطة طبية ليقوموا بعدها بتوجيه الأسئلة لرئيس الأطباء بالمستشفى أو أحد الجراحين. كما شكل الطب السريري جزءا من تعليمهم أيضا، فيقوم الطلبة باتباع الطبيب في جولاته على المرضى ويشاهدونه يأخذ التاريخ الطبي الخاص بهم ويوقع الكشف عليهم. ولم يكن يحصل هؤلاء الطلبة على تراخيص بمزاولة المهنة سوى بعد اجتياز الامتحانات العملية والشفوية.




 



الأدوات الجراحية


1402422469_zahrawy-(1)اشتمل كتاب “التصريف” للعالم الطبيب أبو القاسم الزهراوي على ما يزيد عن 200 أداة جراحية تتميز بالدقة، لدرجة أن تلك الأدوات لم تشاهد سوى تغييرات طفيفة على مدار ألفية كاملة. ومن بينها أداة تدعى “الطاحنة” تستخدم لتفتيت الحصوات الموجودة في مجرى البول. وكان الزهراوي هو أول من استخدم أمعاء الحيوانات في صناعة الخيوط الجراحية حيث كانت تلك الخيوط هى الوحيدة التي يتقبلها الجسم وتذوب فيه على خلاف أي نوع آخر.




الدورة الدموية


blood-cercular

كان إبن النفيس أول من فسر كيفية عمل الجهاز الدوري في الجسم على الرغم من أن معرفته كانت غير مكتملة. فقد قال إبن النفيس أن القلب ينقسم إلى نصفين وأن الدم الموجود في النصف الأول للقلب يمكنه أن ينتقل إلى النصف الثاني فقط إذا مر عبر الرئة حيث أن النصفين لا يتصل أي منهما بالآخر بفتحات مباشرة. وأيضا كان إبن النفيس توقعه صحيحا بشأن أن الدم الموجود في الرئة يختلط بالهواء. وعلى خلاف الاعتقاد السائد بشأن أن الشرايين تنبض من تلقاء نفسها، فسر إبن النفيس ذلك النبض بأنه يحدث إثر انقباض القلب ودفعه للدماء في جميع أنحاء الجسم.




طب العيون


image013إن أعظم إسهامات المسلمين فى طب البصريات كان علاج مرض المياه البيضاء وهو عبارة ماء يتراكم على عدسة العين مما يجعلها ضبابية. ولإعادة البصر كما كان، قام الطبيب “الموصلي” في القرن العاشر بتصميم إبرة مجوفة تدخل فى حواف العين حيث ترتبط الشبكية مع الملتحمة، لإزالة المياه عن طريق الشفط، وهى التقنية ذاتها التي ما زالت مستخدمة إلى الآن لكن مع إضافة بعض التقنيات الحديثة. كان أحد أشهر أطباء العيون المسلمين أيضا “على بن عيسى” الذي ألف كتاب “تذكرة الكحالين” وقد كان الكتاب الأكثر تكاملا فى أمراض العيون. تناول إبن عيسى في جزء من كتابه الأمراض الداخلية للعين والتى لا تتبين إلا بعد الفحص…وهو ما يجعل إبن عيسى أقرب إلى المفهوم الحديث لتشخيص أمراض العيون كعرض لأحد الأمراض العامة الأخرى.




 



التخدير


image011إن تأخير استخدام مسكنات ومخدرات الألم في الغرب كان يرجع إلى الاعتقاد بأن معاناة الألم كانت ثمنا لابد أن يدفعه البشر مقابل خطاياهم! بينما نجد أدلة على استخدام المسلمين للعقارات المهدئة والمخدرة قبل إجراء العمليات الجراحية.


وبحسب قول إبن سينا فإن المريض الذي يكون في حاجة إلى استئصال أحد أعضاءه لابد وأن يشرب خليط من العقارات المنومة. وكان المسلمون أيضا هم أول من أدخل مفهوم التخدير عبر الشم في عالم الجراحة عن طريق استخدام ما يسمى “إسفنجة التخدير” أو “إسفنجة التنويم”.




الصيدلة


image017كان كتاب “الجامع لمفردات الأدوية والأغذية” لمؤلفه عالم النباتات المسلم إبن البيطار، هو موسوعة شاملة ضمت أكثر من 3000 وصفة من الأعشاب الطبية مُرتبة أبجديا، ومن ناحية أخرى قام الكندي بحساب الجرعات الصحيحة المطلوب تناولها من العقارات الدوائية والذي صار الأساس الذي بني عليه علم الصيدلة فيما بعد. وبالإضافة إلى ذلك كان أبو القاسم الزهراوي يقدم الأدوية للمرضى ملفوفة في أغلفة مصنوعة من أمعاء الحيوانات وكانت تلك هى الصورة الأولية للكبسولات.




العظام


image019اختص الجزء الخامس من كتاب “القانون في الطب” لمؤلفه إبن سينا، في مناقشة كسور العظام بشكل عام بأنواعها وأسبابها وطرق علاجها أما القسم الثاني من هذا الجزء فقد تناول الكسور الحادثة بكل عظمة على حدة، مضاهيا بذلك النمط التقليدي للكتب الطبية الحديثة. كما لفت إبن سينا النظر إلى أهمية عدم تجبير الكسور في الحال بل نصح بضرورة تأجيله حتى اليوم الخامس حتى اختفاء التورم. أما اليوم فتدعى تلك النصيحة “نظرية التجبير المؤجل” والتي تُنسب إلى البروفيسور جورج بيركنز الذي يعد رائدا لها.




 


للحديث عن الإكتشافات والإسهامات العلمية للعلماء المسلمين في الطب والجراحة نحتاج إلى مجلدات ولكن كانت هذه مجرد قبسات لحثكم على البحث فنحن في أمس الحاجة لاستمداد الماضي واستلهامه عزماً وقوة لا مباهاة وفخراً لمعرفة الحاضر والانطلاق نحو المستقبل بأمل وثقة.


 



 


LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...