الاستثمار في الحزن




محمد عواد – ثقافة أون لاين - الحزن ذلك الخطر الذي حذر منه شكسبير بقوله “إن الحزن الصامت يهمس في القلب حتى يحطمه.”، الحزن ذلك الشعور الذي نحاول أن نهرب منه طوال حياتنا وجميعنا نفشل بذلك لأنه لا بد أن يواجهك، فهو من سنن الحياة التي لا تكتمل دورتها إلا به تماماً كولادتنا وموتنا!

ما إن يلمس هذا الحزن قلبنا ومشاعرنا حتى تبدأ طاقتنا بالضياع والنقصان، نشعر بأننا منهزمون لا محالة، يخاطرنا خيار الموت جيداً في بعض الحالات، وربما تنهمر الدموع، ربما تنكسر الأشياء، ربما ننسى شيئاً اسمه طعام، وربما تغيب الابتسامة .. إلا أن هناك من يشعر بكل ما سبق ويعايشه ورغم ذلك يستثمر في حزنه ويحوله لخطوة تصعد به إلى مقام أفضل.

فذلك أحمد الموظف المجتهد الذي بذل كل وقته وطاقته من أجل نجاح عمله، لم يفكر يوماً بترقية ولا حتى رفع أجر، كان يخلص لأنه يحب النجاح، ولكن شركته فاجأته بأنها لا ترى ما يقدمه لمعايير لا تتعلق بالكفاءة، جلبت له من هب ودب من المدراء حتى أثقلت كاهله .. حتى جعلته يستسلم ويعيش الحزن، لم يحلق لحيته لأسابيع، لم يعرف طعم الابتسامة لأشهر، هجر أصدقاءه، هذا الحزن ضربه في البداية وربطه لأيام بل ربما أشهر، لكنه استثمر في حزنه بعد ذلك، فتواصل مع أشخاص كثيرين وأثناء ذلك عمل على تطوير تفكيره في مجال عمله، ونال أكثر مما توقعه في وظيفة جديدة، نال مكاناً أفضل واستقراراً أكبر وأهمية أوضح، هو الآن يقبل على الحياة سعيداً مع تذكره لحظات حزن الماضي.

أما يوسف فهو شاب وقع في مصيدة الحب، أحب من كل قلبه ولم يتوقع يوماً أن يصدر عمن أحب تصرفات تكسر قلبه، تصرفات تجعله يخجل من أن ينظر لنفسه أمام المرآة، وجد في المشي صديقاً جيداً، كان يمشي يومياً ويسمع نفس الأغنية التي تذكره بها، كان يبكي مع كل مشوار لكنه وجد خلاله أفكاراً تجعله إنساناً أكثر نجاحاً، وجد خلال هذا المشي الصداقة مع نفسه ويعرف أنه بات شخصاً أفضل بكثير بسبب هذا المشي، رغم أنه ما زال يتذكرها مع كل خطوة بل ربما هو يحتاجها حتى الآن للاستثمار في حزنه ويمشي لأجلها!

يقال إن الكاتب فرانتز كافكا تعرض لأسوأ أنواع التعذيب من والده، كان يضعه الأب في ليالي التشيك الباردة جدا على النافذة ويربطه هناك حتى يؤدبه، لكن وحسب كل النقاد فإن هذا الوالد السيء الذي زرع الحزن في حروف كافكا كان منجماً له، فكان تأثره واضحاً بتلك القسوة وتلك الأيام، فحصد الجوائز بتحويل هذا الحزن إلى كلمات، وحصد المجد باستثماره في حزنه الذي كلما تذكره حوله إلى حبر!

ج. ك. رولينج كاتبة وصانعة الشخصية الشهيرة هاري بوتر عانت من الفقر والحزن مع هجر زوجها لها واضطرارها للجوء إلى السفارة البريطانية في البرتغال كي تحتمي منه، ثم خسرت أهلها بوفاتهم وتعرضت لنكسة نفسية أقرب للكارثة، رضخت لتغيير اسمها مع أول رواية بسبب رؤية الناشر “الأحمق” إن جاز التعبير الذي رأى أن كونها امرأة سيفسد المبيعات، كتبت معظم روايتها الأولى في مقهى ولم تملك المال لأكثر من طلب واحد رفقة طفلتها من الزواج الفاشل الأول، لكنها دخلت التاريخ كأول كاتبة تصل إلى حاجز المليار دولار من الثروة بفضل الكتابة!

وما زلت أذكر نصيحة الكاتب بول آردن المتكررة وهو المتخصص في مجال التنمية البشرية “اطلب صفعة على وجهك”، وما زلت أذكر كلمات صديقي الكاتب الساخر عبدالله الزعابي الذي قال لي أثناء معاناة مررنا بها معاً في أخر أيامنا العملية كزملاء “المشاكل التي تواجهنا والحزن الذي يصيبنا هو الحجر الذي يأتي ليحرك مياهنا الراكدة، فهذه المياه تفسد لو لم تتحرك، والحجر ينقذها فتندفع وتجد طريقها المقدر لها”.

كلنا سنحزن ومن لم يفعل فللأسف لم يعش في هذه الحياة، ولكن الذكي منا من يستثمر في حزنه ويستفيد من طاقته السلبية فيحولها كمهندس إلى طاقة دفع إلى الأمام، فيقف على القمة وينظر إلى حزنه كحادث إيجابي غسل قلبه وحرك مشاعره ورفع من شأنه.
ملاحظة : قصة أحمد ويوسف صحيحة لكن مع تغيير الأسماء، أما باقي القصص فهي حقيقية موثقة.

  
للمزيد من المقالات الخاصة .. اضغط هنا






تابعنا على الفيسبوك:


  


تابعنا على تويتر:




LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...