تحدّثنا في الجُزءِ الأوّل عن الاختراعات والابتكارات الّتي قدّمتها المرأةُ للبشريّة وساهمت بها في تنميةِ المُجتمع وحياةِ النّساءِ والرّجالِ على حدٍّ سواء، واليوم نُكمل ما بدأناهُ ونعرضُ لكم مجموعةً أخرى من هذه الاختراعات.
بحلولِ بداياتِ القرنِ العشرين، ذهبت Mary Anderson إلى مدينة نيويورك لأوّل مرّة وفي ذلك الوقت لم تكن نيويورك كما نعرفها اليوم، حيثُ كان انتشارُ السيّارات قليلًا ولم تكن سيّارات الأجرة بالشّيء الّذي تراه دومًا في الشّارع. ركبت ماري الترام (القطار) حيث شقّ طريقهُ عبرَ المدينة أثناء تساقط الثّلوج ولاحظت أنّ السّائق يَضطرّ للتّوقف كل عدّة دقائق لإزالة الثّلج عن النّافذة الأماميّة ليتمكّن من الرّؤية، في الواقع، في ذلك الوقت كلّ السّائقين كانوا مضطرّين لنفس الفعل.
عندَ عودتها قامت ماري بتطويرِ مِمسحةٍ مطّاطيّةٍ وتركيبها على عمودٍ مَوصولٍ بمُتحكّمٍ داخلَ السيّارة، وعندما يرغبُ السّائقُ في إزالةِ الثّلجِ أو المطر من على زجاج السيّارة، ليسَ عليه سِوى سحب المُتحكّم بيديه لتحريك المِمسحة وإزالة العوالق ليستمتع بالرّؤية مجدّدًا، وحصلت ماري على براءة اختراعها الّذي لا تخلو منه أيّ سيّارة في عام 1903.
عندما أصبحت Martha Coston أرملةً في عام 1847، كانت في الواحدة والعشرين من عُمرها ولديها أربعة أطفالٍ لتنفقَ عليهم ولكنْ لم تكن تعرف كيف بعد. عندما كانت تتصفّح مذكّرات زوجها وجدت تصميمَ وطريقةَ صُنع نِظامٍ ضوئيٍّ ملوّنٍ لتستخدمهُ السّفن للتّواصل والإضاءة أثناء اللّيل ولكنّه فشل في الاختبارات قبل التّصنيع.
أمضت مارثا العشر سنوات التّالية في مُراجعة وتَصحيح أخطاء نظامِ زوجها وقامت باستشارة بعض العلماء وضبّاط الجيش ولكنّها لم تتمكن من إيجاد طريقةٍ لإنتاج توهّجاتٍ مضيئةٍ بالقدر الكافي وتستمرّ فترةً أطولَ وسهلة الاستخدام في نفس الوقت. في إحدى اللّيالي اصطحبت أطفالها لمشاهدة الألعاب النّارية وعندها خطرت لها فكرةَ تطبيقِ نفس التّقنية المُستخدمة في صنع الألعاب النّارية لتطوير نظامها الضّوئيّ، وتمكّنت من النّجاح. اشترت البحريّة الأمريكيّة حقوق الاختراع منها حيث استُخدمت خلال الحرب الأهليّة بشكلٍ كبيرٍ وفي الحروب التي تلتها.
لسوء الحظّ لم يكفِ نظامُ مارثا الجديد لدعم عائلتها. وفقًا للمستندات العسكرية، أنتجت مارثا 1,200,000 شعلة للقوّات البحريّة خلال الحرب الأهليّة، وكانت تكلفتها 120,000 دولار في حين تقاضت مارثا 15,000 دولار فقط وذكرت في سيرتها الذاتية أن القوّات البحريّة رفضت دفع المبلغ كاملًا لها لأنّها كانت امرأة! [1 2 3 4]
قامت Lillian Gilbreth بإدخال تعديلاتٍ صغيرةٍ على الاختراعات الموجودة، لكنّ تعديلاتها تميّزت بالعبقرية. في بدايات القرن العشرين، قامت بابتكار الرّفوف الّتي يتمّ تركيبها في باب الثّلاجة، وأضافت تعديلاتٍ أيضًا لفتّاحة العُلب لتجعلها أسهل وأدقّ، وابتكرت خلاط الطّعام الكهربائيّ، وقامت بإضافة دوّاسةٍ لسلّة المُهملات لفتحها بالقدم. اشتُهرت ليليان بأعمالها الرّائدةِ في تحسين بيئات العمل المختلفة والإدارة الفعّالة. من الجدير بالذّكر أنّ ليليان كانت مهندسةً صناعيّةً ومؤلّفةً وكاتبةً وعالمةَ نفسٍ وأمًّا لاثنى عشر طفلًا! [1 2]
هذه الفكرةُ ليست مُنتشرةً كثيرًا لدينا في الوطن العربيّ، ولكنّها شرطٌ من شروط ترخيص أيّ بناءٍ بعددِ طوابقَ محدّدٍ في الولايات المتحدة. يعودُ الفضل في هذا الابتكار إلى Anna Connelly صاحبة فكرة وتصميم سلّم الطوارئ أو الحريق والّتي حصلت على براءة اختراعه عام 1887، الرّائع في هذا الابتكار ليس فقط القدرة على تركيبه في المباني الجديدة، وإنّما القُدرة على تركيبه في المباني القديمة أيضًا الّتي ليس لديها سلّم، أي أنّ سلّمًا واحدًا يُمكنُ تركيبهُ على مبنيين. [1]
تخيّل لو أنّ هناكَ موادّ بناءٍ غير قابلة للتّلف وقويّةً لدرجةٍ يستحيل معها كسرُها ومقاومةً للنّار وغير سامّة، قد تظن أنّها مجرّد موادّ من وحي الخيال، ولكنّها اختراع حقيقيّ بالفعل مسجّلٌ باسم الأمريكيّة Patricia Billings . تُعرف هذه الموادّ باسمGeobond . كانت باتريشيا تعملُ في النّحت وتستخدم الجصّ لصُنع منحوتاتها ورأت في عام 1970 أنْ تبحث عن إضافةٍ للإسمنت لتُحافظ على منحوتاتها لفترةٍ أطول، وقد توصّلت بالفعل بعد فترةٍ للمادّة الّتي ذكرناها، ولاحظت أنّها مقاومةٌ للنّار أيضًا وغير سامّة، وفتحت بذلك مجالًا أوسع للتّطبيقات الّتي يُمكن استخدامها فيها بدءًا من موادّ البناء وانتهاءً بالشّريط اللّاصق.
حافظت باتريشيا على سرّ مكوّنات مادّة Geobond ولم تستطِع ملايين الدّولارات الّتي قدّمتها الشّركات لشراء حقوق المادّة من إقناعها بالتّخلي عن هدفها في أن تُحدِثَ هذه المادّة ثورةً في مجال موادّ البناء. [1 2]
حصلت Mary Spaeth على درجة الماجستير بعد إنهاء دراستها الجامعيّة، ومنذ ذلك الوقت قدّمت لتكنولوجيا اللّيزر العديد من الاختراعات، منها نظامُ تعديلِ الألوانِ، حيثُ يُمكن ضبط مصدر الضّوء بأطوالٍ موجيّةٍ مُختلفةٍ وبالتّالي تَنتجُ ألوانًا مختلفةً تَسمحُ بتعدّد التّطبيقات الّتي يُمكنُ استخدامَه فيها. من اختراعاتها أيضًا العاكس الرّنّان resonant reflector المُستخدم في عدّة تطبيقاتٍ عسكريّةٍ وبالنّسبة للمدنيّين فيُستخدم في قراءة الـ Bar Codesالموجودة على المنتجات المختلفة لمعرفة تفاصيل المنتج والسّعر. [1 2]
من البديهيّ أن تكونَ أغلب إبداعات المرأة وابتكاراتها في مجالاتٍ تَمسّ حياتها وشؤونها مثل غسيل الملابس مثلًا وعصرها، فهو أمرٌ يتطلّبَ مجهودًا بدنيًّا لا قِبَل للنّساء به. في عام 1880 ابتكرت Ellen Eglin عصّارةً للملابس المُبلّلة ولكنّها لم تُسجّل براءة اختراعها وقامت بعدها بثمانِ سنواتٍ ببيعها لرجلٍ أبيض البشرة مقابل 18 دولار فقط، وعندما سُئلت عن السّبب كان ردّها: ” أنت تعلم أنّني سوداء ولو علمت النساء ذوات البشرة البيضاء أنّني صاحبة هذا الاختراع لن يشتروه، لقد خشيت أن يكون لون بشرتي سببًا في عدم انتشار اختراعي في الأسواق”. [1 2]
Sarah E. Goode كانت أوّل أمريكيّة من أصلٍ أفريقيّ تحصلُ على براءة اختراعٍ باسمها في الولايات المتّحدة الأمريكيّة في عام 1885، وهذا إنجازٌ في حد ذاته، أمّا الإنجاز الثّاني فكان السّرير القابل للطّيّ ليتحوّل إلى خزانةٍ أو مكتبٍ، الأمرُ الّذي ساهم ومايزال إلى يومنا هذا في تقليل المساحات المُستخدمة في المنازل وكان مصدر إلهامٍ للكثير من الابتكارات المُشابهة بعد ذلك. [1 2]
كانت Katharine Blodgett أوّل عالمةٍ تعمل في شركة General Electric وقد اكتشفت في عام 1935 أثناء عملها طريقةً لنقل طبقاتٍ رقيقةٍ أحاديّة الجزء (سمك الطّبقة مساوٍ لسمك جزءٍ واحدٍ فقط) إلى الزّجاج والمعادن والنّتيجة كانت زجاجًا غير عاكسٍ للضّوء ولا يسمح بالسّطوع أو انعكاس الضّوء وانكساره من خلاله، وهو مستخدمُ بكثرةٍ في كاميرات المراقبة والمايكروسكوب والنّظارات وناطحات السّحاب وغيرها الكثير. [1 2]
في عام 1954 أصبحت Erna Schneider Hoover باحثةً في معامل شركة بيل (Bell Laboratories) وهناك قامت بتطوير نظامِ تحويلٍ للمُكالماتِ الهاتفيّة يَعتمد على الكومبيوتر، حيث يعمل النّظام على مراقبة معدّل المُكالمات القادمة ليقومَ بتعديل معدّل قبول المكالمات بحيث يَتجنّبُ المشاكل النّاتجة عن ضغط المكالمات، هذا النظام هو نفسُه المُستخدم اليوم في كافّة شركات الهواتف الأرضيّة. [1 2 3]
هل تعلم أنّ هناك امرأةً حصدت أكثر من 125 براءة اختراع؟ إنّها Giuliana Tesoro الّتي حقّقت إنجازاتٍ عظيمةً في مجال الألياف الصّناعيّة والنّسيج. حصلت جوليانا على درجةِ الدّكتوراه في الكيمياء العضويّة من جامعة يال الأمريكيّة ورأست بعد ذلك عدّة مراكز أبحاثٍ حقّقت من خلالها الكثير، فقد تمكّنت من ابتكار طريقةٍ لمنعِ تكدّس الألياف الصّناعية أثناء التّصنيع، وتمكّنت من تطوير أليافٍ صناعيّةٍ مقاومةٍ للنّار. سجّلت خلال فترة عملها أكثر من 125 براءة اختراعٍ في هذا المجال. [1 2]
في وكالة ناسا للفضاء، كانت هناك كيميائيّةٌ تدعىBarbara Askins قامت بعمليّة تطويرٍ جذريّةٍ لأفلام التّصوير الفوتوغرافي، حيث تضمّن التّطوير استخدام موادّ مشعة لتحسين النيجاتيف، وكان بإمكانها تحسين الصّور أيضًا حتى بعد الانتهاء من إعداداها. استخدم ابتكار باربرا من قِبَل ناسا لمعالجة صور الفضاء واسخدم أيضًا في المجال الطّبيّ لتحسين صور الأشعّة السينيّة. [1 2]
وإلى هنا ينتهي الجزء الثاني من ابتكارات واختراعات مميزة قامت بها المرأة، وأرحب بالإضافات والتعليقات
مراجعة لغوية: محمد خليل