عندما أرسل أوتو هاهن نتائجه الغريبة إلى ليزا مايتنر، أخذت تناقشها مع ابن اختها الذي كان أيضًا فيزيائيًّا ويدعى روبرت فريش. لقد كانت النتائج تشير إلى أنه بعد بضعة أشهر من عمل أوتو هاهن وزميله ستراسمان على قذف نواة اليورانيوم بالنيوترونات وجدوا أنهم يعثرون على الراديوم من بين نواتج هذه العملية على الرغم من توقعهم العثور على عنصر أكبر حجمًا، إلا أن ما وصلا إليه كان عنصرًا أصغر حجمًا. ولقد كتبت ليزا إلى هاهن تطلب منه أن يتأكد ثانية من نتائج التجارب. وهذه المرة أرسل لها يخبرها أنه عثر على الباريوم من بين نواتج التجربة، وهو عنصر أصغر في الحجم من الراديوم! وقد كان تحليل هذه التجارب وفهم نتائجها متوقفًا على ما ستصل إليه ليزا مايتنر!
فلنتخيل نقطة ماء كبيرة على وشك التناثر، يمكننا تخيل نواة اليورانيوم في نفس الوضع تقريبا، وطوال أربع سنوات كان هاهن ومايتنر وجميع الفيزيائيون يظنون أنك إذا دفعت المزيد من النيوترونات إلى داخل هذه النواة فإنها ستزداد حجمًا، ولكن فجأة خطر في ذهن مايتنر وهي تناقش فريش أن النواة إذا كبرت إلى حد معين من الممكن ألا تتحمل زيادة حجمها عن ذلك مما يؤدي إلى انقسامها إلى نصفين! فإذا كانت النواة كبيرة إلى حد أنها تعجز عن البقاء كبنية واحدة فلا يمكن أن تؤدي دفعة من النيوترونات إلى زيادة حجمها، ولكن إلى انقسامها. ولقد رأى فريش أنه إذا انقسمت النواة فإن الشقين الناتجين سينطلقان مولدان طاقة هائلة. وبحساب التفاصيل الرياضية توصلت مايتنر إلى أن مقدار الطاقة المنبعثة من الانقسام الحادث لنواة الذرة يمكن حسابها بواسطة معادلة الطاقة لأينشتاين! الطاقة تساوي الكتلة ضرب مربع سرعة الضوء. لقد كان اكتشافًا مذهلًا! وبالطبع عند تطبيق هذه الحسابات على كميات ضئيلة من المادة في المعمل فإن مقدار الطاقة المنبعث سيكون صغيرًا ولكنه بالنسبة إلى ضآلة المادة المنبعث منها فهو يعد كبيرًا نسبيًّا. الفكرة أن كتلة اليورانيوم المفقودة أثناء عملية الانقسام قد تحولت إلى طاقة وهو ما تطابق مع معادلة الطاقة لأينشتاين. إنها المرة الأولى التي يثبت فيها عمليًا أن الطاقة والمادة ما هما إلا وجهان لعملة واحدة!
نشر مايتنر وفريش اكتشافهما الذي سمياه الانشطار النووي، لكن الخيانة كانت في انتظارهما. إذ تعرض أوتو هاهن إلى ضغط من النظام النازي لاستثناء ذكر زميلته من بحثه الذي احتوى على تحليلها للنتائج التي أرسلها إليها من قبل. كل هذا لأن النظام النازي لم يكن متأكدًا من ولائها لأنها يهودية وتعامل معها بنفس الطريقة الشكوكية التي كان يتعامل بها مع كل اليهود. أدى هذا إلى حصول هاهن وحده على نوبل عام 1944. ولم يذكر دور مايتنر الهام في كلمته التي ألقاها عند استلام الجائزة. وبعد الحرب زعم هاهن أنه هو وليس مايتنر من اكتشف الانشطار النووي. لقد كتبت مايتنر إلى هاهن تذكره بأربعين عام من الصداقة بينهما. وتسأله كيف سيكون شعوره لو وصفوه اليوم بالمساعد السابق لليزا مايتنر كما يصفوها هي اليوم بالمساعدة السابقة لهاهن وما يحتوي هذا على تقليل من قدر إسهامها في عملهما المشترك واللذان قاما به على قدم المساواة. فبعد ما عانته في الخمسة عشر عامًا الأخيرة والتي لا تتمنى لأحد من أصدقائها أن يمر بمثل ما مرت به، ها هي يُسلب اليوم منها إنجازها العلمي. فهل هذا عدل؟ ولماذا يحدث ذلك؟
ولكن هل توقف سباق العلم عند اللحظة التي اُكتشِف فيها الانشطار النووي؟ بالطبع لا! ففي عام 1942 بدأت الجهود تبذل لصنع القنبلة النووية. وفي أنحاء أمريكا كانت تجري إقامة المنشآت تحت اسم سري وهو مشروع منهاتن. وقد عرض على مايتنر المشاركة في هذا المشروع ولكنها رفضت أن يكون لها أي صلة بصناعة القنبلة النووية. ولكن ابن اختها روبرت فريش كان موقفه مختلفًا عنها، فقد كان عضوًا فعالًا في فريق عمل القنبلة لأنه كان مقتنعًا بضرورة التقدم على النازيين في سباق التسلح النووي. ولكن القنبلة النووية لم تستخدم ضد ألمانيا، بل ألقيتا فوق مدينتين يابانيتين، وهما هيروشيما ونجازاكي لتعبّرا عن مدى القوة التدميرية الكامنة في معادلة الطاقة تساوي الكتلة ضرب مربع سرعة الضوء.
لقد تم تحرير كميات مهولة من الطاقة على هيئة إشعاع كهرومغناطيسي من اليورانيوم والبلاتينيوم. وبهذا فإن بحوث أكثر علماء الدنيا موهبة قد أدت إلى اختراع سلاح دمار شامل. ولكن المعادلة نفسها كانت لها حكاية موازية تتصف بالإبداع والجمال. فاليوم يحمل رسالة أينشتاين علماء شباب يحاولون الإجابة على أعظم الأسئلة: من أين أتينا؟ ففي مسرعات الجسيمات، يدفع العلماء مكونات الذرة باتجاه سرعة الضوء ويصدموها معًا ليخلقوا ظروفًا أشبه بظروف الانفجار الكبير. فالمعادلة الأهم في تاريخ العلم تحكي لنا بشكل أو بآخر كيف وقع الانفجار الكبير نفسه. ففي بدايات الخلق الأولى، كان الكون عبارة عن طاقة ثائرة وعالية وشديدة التكثيف والتركيز حين جاءت لحظة تناثرت هذه الطاقة وامتدت في أرجاء الكون لتتحول كميات هائلة منها إلى كتل صلبة. وبهذا أصبحت الطاقة الخالصة مادة وشكلت الجزيئات والذرات التي كانت بداية عملية ولادة النجوم الأولى.
ولكن هل كان أينشتاين مصيبًا على طول الخط! هل كانت نظرياته ومعادلاته التي خرجت عام 1905 لا تحتاج إلى تطوير أو تعديل! بالطبع لم يكن مصيبًا على طول الخط، وبالطبع احتاج إلى أن يطور من نظرياته وخاصة النسبية الخاصة. ولكن لهذا مقال آخر.