النوم في حد ذاته من الأمور الغامضة في حياتنا، وهو مشترك بين جميع الكائنات الحية تقريبًا، ويقضي البشر في المتوسط ثلث حياتهم في النوم وهو قدر كبير جدًّا من حياتهم لا يمكنك أن تتجاهله. والمثير للدهشة أننا حتّى اليوم لا نملك تفسيرًا منطقيًّا لسبب النوم عند الكائنات الحية، بل إن بعض العلماء يعتبر النوم مرضًا، لذلك هناك أبحاث كثيرة تبحث عن علاج له، لماذا نحن بحاجة إلى النوم؟ هذا السؤال حير العلماء لفترة كبيرة ومازال إلى يومنا هذا، البعض يرى أن النوم يتيح الفرصة للجسم لكي يستعيد عافيته بعد نشاط يوم طويل ولكن في الواقع مقدار الطاقة التي يجمعها الجسم بعد نوم لمدة ثمان ساعات يصل بالكاد إلى 50 ألف سعرة حرارية، وهو نفس القدر الذي يمكنك أن تحصل عليه من قطعة خبز محمص، ومن الملاحظ أيضًا أن النوم يلعب دورًا هامًّا في الحفاظ على القدرات العقلية في مستوى مقبول مثل التحدث والذاكرة والتفكير والابتكار. على الرغم من هذا وذاك، هناك العديد من الفرضيات والنظريات غير المؤكدة التي تفسر سبب حاجتنا للنوم، ولكننا لسنا بصدد التحدث عن هذا اليوم وإنما سنناقش فرضية غريبة بعض الشيء، ماذا لو لم نكن بحاجة للنوم؟ ماذا لو كان هناك علاج يمكنك أن تأخذه فيمنعك من الشعور بالتعب أو النعاس؟ هناك العديد من الأبحاث التي تهدف إلى إيجاد عقاقير مقاومة للنوم والنعاس كما ذكرت، ففي دراسة أجريت عام 2007، وجد أن استخدام رذاذًا للأنف يحتوي على هيرمون orexin-A قام بعكس ومحو آثار عدم النوم في القردة.
على الرغم من ذلك، الخبراء يؤمنون أن النوم يلعب دورًا أساسيًّا في كيفية تشكيل الناس لحياتهم وسلبهم إياه سيكون له أثر نفسي واجتماعي كبير، ويقول أحد علماء علم الاجتماع الطبي أن الناس لا تدرك العلاقة المتبادلة بينهم وبين النوم وأنه محور هام في تشكيل حياتهم، ومن أفضل الوسائل لفهم أهمية النوم ودوره في الحياة، النظر إلى ما سيؤول إليه الحال إذا لم نكن بحاجة إليه. لذلك إليكم بعض الطرق التي ستختلف بها حياة البشر إذا لم نكن بحاجة النوم على الإطلاق.
الأثر العقلي والصحي
عدم النوم له أثر كبير على وظائف الدماغ، بعد قضاء ليلة واحدة بدون نوم ستجد صعوبة كبيرة في التركيز والانتباه والتذكر والاتزان وضبط النفس، مع استمرار عدم النوم الجزء المسؤول عن اللغة والذاكرة والتخطيط والإحساس بالوقت في الدماغ سيتأثر بشكل خطير، وسيتوقف عن العمل بشكل شبه تام، في الواقع 17 ساعة من الاستيقاظ المستمر فقط تؤدي إلى إنخفاض في الأداء مكافئ لشرب كأسين من الخمر (معدل الكحول في الدم 0.05%). تشير الأبحاث أيضًا إلى أن المحرومين من النوم يواجهون صعوبة في الاستجابة للأحداث المتغيرة بشكل سريع واتخاذ قرارات بعقلانية، في الواقع يمكنك ربط الحرمان من النوم بالعديد من الكوارث العالمية، كعامل مساعد مثل حادثة تشرنوبل وانفجار مكوك تشالنجر.
الاستغناء عن النوم قد يكون له أيضًا تبعات صحية ونفسية خطيرة. في الوقت الحالي الكثير من مشاكل النوم تم ربطها بحالات صحية مختلفة منها السمنة وأمراض القلب، حتى وإن كان هناك علاج ما يسمح لنا بأداء وظائفنا بدون الحاجة إلى النوم أو الشعور بالتعب، فهذا لا يعني أن تلك الحالات الصحية المرتبطة بمشاكل النوم سوف تختفي، أضف إلى ذلك أن فرص استهلاك الطعام ستزداد وبالتالي ستزداد المشاكل المتعلقة بالطعام مثل السمنة والتي تقود بدورها لأمراض كثيرة. وبالرغم من أن المزيد من الوقت سيكون متاحًا أيضًا لممارسة الرياضة ولكن البشر بطبعهم يميلون أكثر للأشياء التي تجلب المتعة، ويمكنك مقارنة عدد الساعات التي يقضيها البشر اليوم في الرياضة مقارنة بعدد الساعات التي يقضونها في أي شيء ترفيهي آخر لتعرف الفرق بنفسك.
هل سنصبح أكثر إنتاجًا
الكثير من الناس يعتقدون أنهم سيكونون أكثر إنتاجًا لو كان لديهم المزيد من الوقت، لذا في عالم خال من النوم حيث سيتوفر للناس ثمان ساعات إضافية في المتوسط يوميًّا من البديهي أن يتم إنجاز المزيد من المهام وستتمكن المجتمعات من حل المزيد من المشاكل بشكل أسرع، ولكن الخبراء يعتقدون أن أغلب الناس لن تستفيد أفضل استفادة من هذا الوقت الإضافي. من المغري أن نعتقد أننا جميعًا سنصبح أكثر ذكاءًا وأكثر إنتاجية ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا هو الحال. الدماغ البشري يتطلب وقتًا معينًا من الراحة ليعمل على النحو الأمثل، والكثير من العمل أو الإجهاد سيؤثر على عملية التفكير، لهذا السبب قد نلاحظ أن أفضل الأفكار تأتي للناس في أوقات الراحة أو الاسترخاء والتأمل أو المرح حيث يقل الإجهاد والتوتر والضغط على الدماغ.
عندما يحظى الناس بوقت إضافي سيتجه أغلبهم إلى استغلاله في الراحة والاسترخاء أو تمضية الوقت في أي شيء آخر، فنحن في النهاية لسنا آلات ولا يمكننا العمل 24 ساعة يوميًّا على مدار الأسبوع، مدمنو العمل قد يستغلون الوقت في إنجاز المزيد في البداية ولكن في نهاية المطاف سيعود العمل ليأخذ مكانته الطبيعية في حياتهم لأننا بحاجة إلى أن ننعش أنفسنا من وقت لآخر، بدلًا من أن نصبح أكثر إنتاجًا قد نصبح أكثر انشغالًا. التقدم التكنولوجي خلال العقود الأخيرة سمح للناس بالعمل على مدار الساعة ولكن هذا لا يعني بالضرور أنهم أكثر إنتاجية الآن ولكنهم أصبحوا أكثر انشغالًا لا أكثر.
تغيير في مواعيد العمل
التوقعات قد تمتد أيضًا في حالة عدم الحاجة إلى النوم لتطال ساعات العمل، فقد يرى مديرك في العمل أنه من غير اللائق أن لا تقوم بالرد على رسالته التي أرسلها إليك الساعة الثالثة صباحًا، عدم الحاجة إلى النوم ستتسبب في مد فترات العمل المستمرة دون أخذ قسط من الراحة. وفي دراسة تم سؤال مجموعة من الناس يعملون في تخصصات مختلفة عن رأيهم في حالة وجود علاج يسمح لهم بعدم النوم، ووجد أن الناس الذين يعملون في مناوبات نهارية وليلية مثل الأطباء والممرضين ورجال الشرطة كان لديهم قلق كبير تجاه هذا الأمر، لقد كان لديهم مخاوف من أن يتم استغلالهم أكثر وأن تزداد أوقات العمل بحجة زيادة الإنتاج لأن لديهم المزيد من الوقت، وهو ما سيؤثر عليهم اجتماعيًّا وصحيًّا. كما أن المجتمع سيتطلب في هذه الحالة المزيد من الناس في المهن والخدمات المختلفة خاصة التي تتطلب نوبات ليلية لأن الناس ستصبح أكثر نشاطًا في الليل عن ذي قبل وهو ما سيعود بنا إلى نفس النقطة التي بدأنا منها وقد يكون بشكل أسوأ.
مشاكل في العلاقات
فكرة عدم الحاجة إلى النوم قد تؤثر أيضًا على العلاقات المختلفة بين الناس. بالرغم من أن الناس تميل لقضاء الوقت مع أحبائهم وعائلاتهم، إلا أن الكثير من الوقت قد يكون له أثره السلبي، إذا كنا دائمًا سنكون مستيقظين ونشعر بالنشاط، متى ستحظى بوقتك الخاص وكيف ستتحمل الاتصال الدائم بالآخرين، كما أن بعض الأشخاص قد يفقدون التفاعل البناء مع الآخرين بسبب التواصل المستمر، بالإضافة لزوال العديد من الأنشطة المتعلقة بالنوم مثل القراءة أو قراءة القصص للأطفال أو الإفطار الصباحي ومطالعة الأخبار.
الأثر الاقتصادي
بالرغم من أن زوال الحاجة إلى النوم قد يزيد فرصة الحصول على المزيد من المال والأرباح، ولكنه سيزيد أيضًا من فرص إنفاقها، على سبيل المثال سيضطر الناس لاستخادم الأجهزة المنزلية بمعدل أكبر كما سيتم استهلاك كميات أكبر من الطعام والشراب، سيحتاج الناس لموارد أكثر لملء ساعات استيقاظهم الإضافية، كما سيتطلب الأمر استهلاكًا ومعدلات إنتاج أكبر على الصعيد العالمي، ما يعني معدلات وساعات عمل أكثر أيضًا وبالتالي ستكون المحصلة أيضًا أن نعود لنفس النقطة التي بدأنا منها. مع الأخذ في الاعتبار أن الصناعات والخدمات التي تعتمد على النوم ستنهار مثل العقاقير التي تساعد على النوم والتي ينفق عليها الأمريكيون سنويًّا 5 مليارات بالإضافة لصناعات غرف النوم والمراتب وغيرها من المجالات التي ستنهار بمجرد زوال حاجة البشر إلى النوم.
يمكنكم الاطلاع على هذا الفيديو لمعرفة المزيد عن الآثار المترتبة على التوقف عن النوم.