ملاحظة 1: في حال كنت غير مهتماً بالسينما عموماً وفيلم Interstellar خصوصاً فأنصحك بتوفير وقتك في شيء مفيد آخر، أما إذا كنت من المهتمين فنود لفت انتباهك بأن حجم المقال تقريباً 1200 كلمة وهو ما يستغرق في المتوسط 5 دقائق لقراءته.
في طريقي لأداء صلاة الجمعة مع أحد الأصدقاء تحدثنا حول فيلم Interstellar وبحسب رأي صديقي فإن الفيلم أكثر من رائع، صراحة أنا لم أفكر حينها في إبداء رأي بالفيلم، لأنني كنت منشغلاً بالسؤال التالي، ماذا لو قام خطيب الجمعة بالحديث حول الفيلم؟، ماذا سأفعل حينها وكيف سيكون شعوري، على أي حال ذلك لم يحدث فمحور الخطبة جاء حول المؤامرة الكونية وراء جهاز بلاي ستيشن وتسميم عقول الشباب العربي بهذا الجهاز الأرعن.
لكن هل لاحظت مثلي بأن حجم الضجة التي أثيرت حول فيلم Interstellar كانت زائدة عن الحد؟ صراحة لم أجد سبباً مقنعاً وراء كل هذا الصخب حول الفيلم (أقصد في عالمنا العربي طبعاً، فالهالة الإعلامية التي اكتسبها الفيلم عالمياً ربما نجد لها أسباباً واقعية) والمشكلة الكبرى أن هذه الضجة في عالمنا العربي انتقلت حتى لمن ليس لهم أي علاقة بالسينما، فمثلاً علق شخص ما على إحدى ” المنشورات ” التي تتحدث عن الفيلم على فيس بوك بأنه خيال أو أكاذيب، لا أذكر التعبير بدقة، لأن أعصابي حينها كانت في حالة سيئة.
(ملاحظة 2: فيلم Interstellar مصنف ضمن فئة أفلام الخيال العلمي).
والأدهى من ذلك أن أحد ” المدونين ” قام بكتابة مراجعة حول الفيلم في إحدى المدونات التي تهتم بالسينما على الأغلب، وذكر في تدوينته العظيمة بأنه نظرياً وعملياً وبحسب كل الأبحاث العلمية المعروفة فلا يمكن لأي جسم أو حتى الضوء نفسه العبور من خلال الثقب الأسود. (يمكنكم مراجعة ملاحظة رقم 2)
ملاحظة 3: نعتذر عن نشر رابط المراجعة لتجنب الإصابة ببعض الأمراض المزمنة.
وبعد هذه المقدمة التي ليس لها أي معنى، دعونا نسلط الضوء على بعض الأسباب التي أدت لحدوث الضجة الكبيرة حول فيلم Interstellar على المستوى العالمي.
أولاً: عائلة نولان
مخرج الفيلم كريستوفر نولان له الدور الأبرز في إحداث الضجة التي اكتسبها الفيلم خلال الأشهر الماضية، وغالباً فجمهور السينما حول العالم ينتظر بشغف الأفلام التي يقوم بإخراجها وكتابتها وللتذكير فإن كريستوفر نولان أخرج ثلاثية باتمان وهي تعد أشهر سلسلة أفلام على مر التاريخ، كما قام نولان بإخراج الفيلم الشهير “بداية” للنجم ليوناردو دي كابريو بالإضافة إلى إخراجه لفيلم تذكار وبفضلها بات اسم كريستوفر نولان يُذكر ضمن أفضل مخرجي الأفلام في تاريخ السينما، أيضاً ساهم كريستوفر من خلال شركة الإنتاج الخاصة به في إعطاء الفيلم صورة إعلامية مثالية، رافق ذلك حملة دعائية ضخمة للفيلم طوال 10 أشهر ماضية، فمثلاً تم عرض 4 إعلانات تشويقية للفيلم حققت أكثر من 18 مليون مشاهدة على القناة الرسمية للفيلم، بالإضافة إلى ملايين المشاهدات الأخرى عبر القنوات المتخصصة في بث العروض الدعائية للأفلام على يوتيوب.
ويأتي دور شخص آخر من عائلة نولان وهو كاتب السيناريو جونثان نولان، والذي قام بكتابة عدة أعمال سينمائية هامة بالمشاركة مع شقيقه كريستوفر نولان كان أبرزها فيلم فارس الظلام وفيلم نهوض فارس الظلام وفيلم العظمة وجميعها حققت نجاحاً مبهراً على الصعيد العالمي، كما قام جونثان بكتابة مسلسل التحقيقات الشهير بيرسون أوف انترست والذي يبث الجزء 4 منه في الوقت الحالي.
ثانياً: ماثيو ماكونهي
ماثيو ماكونهي أحد أبرز نجوم هوليوود وأكثرهم شعبية، فاز بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل عن فيلم نادي دالاس للمشترين ويتميز بقدرة غير اعتيادية في أداء الأدوار السينمائية المختلفة، أشاد أغلب النقاد في العالم بأدائه الرائع في مسلسل محقق فذ وذلك عن شخصية المحقق كول، كما وضعته مجلة التايم الأمريكية ضمن قائمة أكثر 100 شخصية تأثيراً في العالم للعام 2014، فلا شك بأن وجود ماثيو ضمن بطولة فيلم Interstellar أكسبه ضجة إعلامية كبيرة على المستوى العالمي، وبالتالي فإن نسبة من جمهور الفيلم ستشاهده فقط لوجود ماثيو دون النظر المسبق للقصة أو الأحداث.
ثالثاً: خيال علمي
أي متابع للسينما العالمية يعي تماماً أن أفلام الخيال العلمي تعد أبرز اهتمامات الجمهور خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك يعتبر تناول فيلم Interstellar للقضايا المتعلقة بالخيال العلمي سبباً في زيادة الاهتمام العالمي بالفيلم من قبل النقاد والجمهور، فمثلاً لو قمنا بإلقاء نظرة على شباك التذاكر للعام 2013 و2014 سنجد أن أفلام الخيال العلمي استطاعت أن تنافس بقوة ضمن فئة الأفلام الأكثر شعبية.
وإليكم قائمة بأكثر 10 أفلام شعبية للعام 2013 و2014 (لغاية الآن).
ملاحظة 4: القائمة تم تصنيفها اعتماداً على إجمالي الأرباح التي حققها الفيلم
رابعاً: محور الفيلم
غالباً فإن أفلام الخيال العلمي التي تتناول المواضيع المتعلقة بالفضاء تحقق اهتماماً متزايداً بالنسبة لمتابعي السينما، فمواضيع مثل الثقوب السوداء والمجرات والكواكب والسفر عبر الزمن نجد لها شعبية كبيرة حتى في العالم العربي، فمثلاً حقق فيلم جاذبية العام الماضي نجاحاً رائعاً في شباك التذاكر بالإضافة إلى حصوله على عدد من جوائز الأوسكار، لهذا فإن محور الموضوع الذي تناوله فيلم Interstellar ساهم في إعطاء الفيلم قيمة أكبر واهتمام متزايد.
ملاحظة 5/ يمكنكم التعرف على بعض الجوانب العلمية التي تناولها الفيلم من خلال هذا الموضوع.
لكن هل كان الفيلم على مستوى هذه الضجة، دعونا نناقش ذلك عبر النقاط التالية
يبدو أن الفيلم لغاية الآن لم يصل لمستوى التوقعات المرجوة منه، حيث جاء الفيلم في المركز الثاني محققاً إيرادات بقيمة 47.51 مليون دولار في شباك التذاكر الأمريكي وذلك خلال الأسبوع الأول لعرضه، وعلى مدار ثلاث أسابيع لم يحقق الفيلم سوى 120 مليون دولار.
قد يرى البعض أن هذا الرقم كبير جداً لفيلم في أسبوعه الثالث، لكن في الواقع كان ينتظر من الفيلم أن يحقق إيرادات أكبر بكثير خلال الأسابيع الأولى، فمثلاً الجزء الثالث من سلسلة أفلام ألعاب الجوع الشهيرة للنجمة جينفر لورانس استطاع تحقيق 120 مليون دولار خلال الأسبوع الأول.
لكن مع ذلك يرى العديد من النقاد بأن الفيلم سيحقق إيرادات أفضل في الأسابيع المقبلة، خصوصاً وأن الفئة المهتمة بهذا الفيلم هي من فئة الشباب فوق 24 سنة وفي الغالب فإن هذه الفئة لا تفضل التسرع في مشاهدة الأفلام عند إطلاقها.
ملاحظة 6: تكلفة الفيلم هي 165 مليون دولار أمريكي.
بالرغم من تلقي الفيلم مراجعات إيجابية في معظمها إلا أنها كانت أقل من المتوقع، فمثلاً تلقى الفيلم لغاية الآن 46 مراجعة على موقع ميتاكريتيك، منها 35 مراجعة إيجابية و10 مراجعات مختلطة ومراجعة سلبية واحدة، بينما تلقى الفيلم 253 مراجعة على موقع الطماطم الفاسدة منها 184 مراجعة إيجابية و69 مراجعة سلبية، ولإيضاح موقف النقاد بشكل أفضل يمكن القول بأن فيلم هو من أسوء أفلام المخرج كريستوفر نولان فجميع الأفلام التي قام بإخراجها سابقاً حصلت على تقييم أعلى من قبل النقاد.
قائمة توضح تقييم النقاد لأفلام المخرج كريستوفر نولان على موقع الطماطم الفاسدة.
كعادة أفلام كريستوفر نولان، حاز فيلم Interstellar على إعجاب الجمهور حول العالم، حيث استطاع الموقع الحصول على تقييم 8.9 في موقع IMDB، وذلك بحوالي 281 ألف صوت لغاية الآن وبذلك حقق الفيلم المركز 13 ضمن قائمة أفضل 250 فيلم على مر التاريخ، وبلا شك فإن الأرقام السابقة تعطي مؤشراً واضحاً على النجاح الكبير الذي حققه الفيلم على مستوى جمهور السينما عالمياً.
في الختام أحب لفت انتباهكم بأنه لا مشكلة إطلاقاً في إبداء الرأي الشخصي في أي فيلم سينمائي، سواء أعجبك الفيلم أو لم يعجبك فهذا أمر يتعلق بالأذواق الفنية، لكن لا يعني ذلك أن نقوم بنقد الفيلم دون أدنى معرفة بالمعايير والأسس التي يستند إليها النقد الفني، وصدقني أن هناك بعض كبار النقاد في العالم ترددوا في نشر مراجعاتهم حول الفيلم بسرعة لأن الفيلم بحسب رأيهم “يحتاج إلى تفكير”، لذلك حينما يأتي شخص لم يشاهد في حياته سوى مسلسل الحاج متولي، ثم يضع نفسه مكان كبار النقاد في العالم للحديث عن أكثر الأفلام تعقيداً في 2014 فصدقني حينها يصبح الأمر مثيراً للاشمئزاز، أيضاً الحديث عن مؤامرات كونية يخفيها الفيلم ومحاولة ربطه بالنواحي الدينية هو أيضاً من الترهات التي نترفع عن مناقشتها في هذا المقال.
المصادر
صفحة الفيلم على موقع الطماطم الفاسدة
صفحة الفيلم على موقع ميتاكريتيك
القناة الرسمية للفيلم على يوتيوب