بي بي سي عربية - عندما قدمت استشارية دولية في سن الأربعين عرضاً تقديميا على الشاشة أمام رؤسائها مؤخراً في فرنسا، أصيبت بصدمة كبيرة، بعد أن أقدم شاب على إحراجها أمام الجميع.
فعند الانتهاء من إلقاء كلمتها، وقف شخص في عمر 25 عاماً، والذي كان قد بدأ العمل مؤخراً في الشركة، وانتقدها قائلاً: “لا يستحق عملك كل هذا العناء. ليس ذلك تماماً ما كنت سأقوم به.”
وقالت الاستشارية، التي قبلت سرد حكايتها بشرط عدم ذكر اسمها: “تدرك فجأة أن الجيل الناشيء ليس بالضبط مثل جيلك. جيل الشباب أكثر طموحاً وحباً للفردية، ويحاول خلق ما يميزهم. لكنهم قد يوغلون في تجاوزهم للحدود.”
إن الفجوة التي تفصل الجيل المولود بين عامي 1965 و 1977، والذي يعرف بالجيل “X”، وجيل الألفية الذين ولدوا بعد تلك الفترة، ويعرفون باسم الجيل “Y” تتضح بشكل متزايد في محل العمل؛ إذ كانت علاقات العمل تتميز باحترام العاملين الأصغر لأقرانهم الأكبر سنا، أما الآن يقل احتمال إقامة علاقات بينهم كتلك التي تنشأ بين المدرب والمتدرب، ويزداد الاحتمال بأن يغلب عليها التصادم الصريح عند غياب تبادل النظرات (الإيجابية) أثناء الكلام.
لكن، إذا تفهمنا أسباب حصول ذلك فقد نتوصل إلى استراتيجيات تساعد في سد تلك الفجوة – وتفادي صراع غير مستحب.
موقع “بي بي سي كابيتال” سأل عددا من الخبراء عن وجهات نظرهم حول كيفية تخفيف حدة التصادم بين جيل وآخر في موقع العمل.
تعلّم لغة التخاطب مع الآخر
عليك أن تفك رموز سلوكيات الجيل الآخر، وتتكيف مع عقليتهم، ولغتهم قدر المستطاع، وذلك ما نصحت به “آنّا ليوتّا”، مؤلفة كتاب “فكّ رموز الأجيال: إدراك ما يثير الأجيال وما يستفزّهم”. على سبيل المثال، لدى جيل الألفية متطلبات وجدانية مختلفة بالكامل عما لدى الأجيال الأخرى، كما تقول ليوتّا.
نشأ “جيل الألفية على اللعب ضمن فريق،” حسب قول ليوتّا التي تعمل استشارية للشركات حول طرق فهم احتياجات كل جيل في بيئة العمل لتجنب سوء التفاهم وتقليل نسبة العاملين الذين يتركون وظائفهم.
وتضيف: “كان كل شيء مبنياً على احترام الذات. لم يكن الأطفال يُتركون وحدهم. كانت القرية كلها تهتم بالأمر. أما الآن فهم ينضمون إلى أماكن العمل وهم معتادون على أن يروا الكبار يدربونهم ويشجعوهم، بينما يقول أبناء جيل إكس، مثلا ‘كلا، عليك الاعتماد على نفسك’.”
ركزت ليوتّا في عملها على أربع مجموعات توجد في زمننا في مواقع العمل، وهم: التقليديون (الجيل المولود بين عامي 1927- 1945)؛ وجيل الطفرة السكانية (المولود بين 1946-1964)؛ و “جيل إكس” (المولود بين 1965-1977)؛ وجيل “الألفية” أو “جيل واي” (المولود بين 1978- 1999). وقامت ليوتّا بتحليل سلوكياتهم حول مواضيع متنوعة تخص مكان العمل.
تعتقد ليوتا عموماً أنه فيما يخص الأداء في العمل، فإن أبناء جيل التقليديين يرون أن “عدم ورود أخبار جديدة يدل على ما يسرّ”. أما أبناء جيل الطفرة السكانية، المعتادين على منافسة كثيرة في العمل، ولحاجتهم لمعرفة المزيد عن أنفسهم، فهم مولعون بالتقييم السنوي لسير العمل والأداء. أما جيل “إكس”، فيعتبر التقييم السنوي غير كافٍ لأنه يجرى مرة واحدة. لكن جيل الألفية يحتاجون إلى تقييم دوري لأنهم نشأوا وتربّوا على تعزيز أنفسهم بشكل آني وإيجابي.
يبلغ “لارس سودمان” 38 عاما، ويعمل كمدير تنفيذي ومدرب، وقد أعد طريقة خاصة به للحصول على تقييم العاملين معه، ممن هم في العشرينيات من أعمارهم. استخدم “لارس” برنامجاً تطبيقياً في شركته البلجيكية لتأسيس المشاريع، تحت اسم “بريس-ماستر”.
يقول “سودمان: “قرأت عن حاجة أبناء جيل الألفية إلى تقييم أدائهم، لكني ذهلت عندما واجهت الأمر بنفسي. احتجت إلى ضبط مداولاتي الفردية معهم وتقديم أفكار عن كيفية تحسين العمل. كانت استراتيجيتي تعتمد على البحث عن نصائح يمكنني أن أقدمها أسبوعياً.”
ويقول “سودمان” إن الطلب المستمر منهم أسبوعياً عن التقييم والنتائج كان “مثل اسطوانة مشروخة”. مرة بعد أخرى، كان نفس الطلب يعاد تقريباً بنفس العبارة وبنفس الإيقاع. ويضيف: “وجدت توقاً شديداً للتقييم وردود الفعل. فحتى مع كوني مديراً، كنت قد قدمت لهم الكثير من التقييم.”
العثور على قناة التفاهم المناسبة
يرغب كل جيل جديد ناشيء، وعلى مرّ التاريخ، في أن يُظهر شيئاً من التمرّد والاختلاف عن سابقه. ذلك ما قاله “مايكل رينديل”، الشريك في “بي. دبليو. سي.” في بريطانيا، حيث يدير الاستشارات العالمية بقسم الموارد البشرية للشركة.
ما هو مختلف هذه المرة هو أن أبناء جيل الشباب يتواصلون فيما بينهم بشكل جيد جداً عن طريق الوسائل التقنية، ويريدون الشفافية في التعامل، حتى في أمور تخص مثلاً رواتب زملائهم.
يقول رينديل: “بدأ هذا الأمر يلعب دوره في موقع العمل. لم تعد الطرق التقليدية بمخاطبة المدير لأفراد فريق عمله تنفع.”
عمل “رينديل” في العام الماضي مع واحد من المديرين التنفيذيين لشركة عالمية تصنع التقنيات الحديثة في مجال الطيران والفضاء. استخلص ذلك المدير عبراً ودروساً مستوحاة من طرق التواصل الاجتماعي لجيل الألفية. لقد استخدم المدير التنفيذي قناته الخاصة به في “يوتيوب” لمناقشة الاستراتيجيات مع العاملين والحصول على تقييمهم ومقترحاتهم حول المشاهد المعروضة.
وكانت أداة اتصال جديدة أثبتت فعاليتها في مجال صناعي عُرف بكونه مقاوماً بشدة للتغيير. ويعود السبب في ذلك إلى أن العاملين يستطيعون رؤية أفلام الفيديو المعروضة على قناته متى وأينما أرادوا ذلك، وهذا ما يطالب به جيل الألفية، كما يقول.
كما بدأ ذلك المدير التنفيذي، والذي كان أحد عملاء “رينديل”، في الكتابة والتحدث إليهم بجمل أقصر وبأسلوب لاذع، تماماً مثل التعليقات القصيرة والحادّة التي كانت تمر خاطفة أمامه. “برقيات قصيرة جداً، تجعلك تركز بدقة كبيرة”، حسبما أضاف “رينديل”، الذي لاحظ أيضاً أن عدداً متزايداً من المديرين التنفيذيين يؤسسون مدوّناتهم الخاصة بعملهم اليومي على الإنترنت.
تأمَّل وجهات النظر البديلة
أحياناً، ينشأ سوء فهم الآخرين بسبب الملابس التي يرتديها شخص ما، أو طريقة تأنقه، وقد يكون للأمر علاقة بالعمر، مع أن ذلك ليس بالضرورة. إذا لبس رجل شاب سروالاً ينزل قليلا تحت خصره، فهل يعني أنه ليس لديه ميثاق أخلاقي؟ إذا ما حرك يديه مثل مطربي أغاني “الراب”، فهل يعني ذلك أن الشخص غير معني بعمله الذي يقوم به؟ يمكن لهذه السلوكيات الغريبة أو الشاذة أن تؤدي إلى توتر في مكان العمل.
أضف إلى هذا، يتوجب على الناس توخي الحذر كي لا يعزى كل التوتر الحاصل بين الأجيال إلى فارق العمر فقط، كما يرى “ماثيو كابلان”، أستاذ “التواصل بين الأجيال” بجامعة بنسلفانيا الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية.
يقول كابلان: “اختار الكثيرون تقديم خدماتهم للمتخصصين في شؤون الموارد البشرية ليدربونهم على ما يسمى أسرار العمل مع جيل الشباب، وقد برعوا باكتساب خبرة جيدة. تكمن المشكلة في أن عمرك ليس إلا عاملاً مؤثراً واحداً فقط على نمط وأسلوب التعامل. فهناك أيضاً عوامل مثل نوعك، ذكر أم أنثى، وعِرقك، وخلفيتك الثقافية، بالإضافة إلى حالتك الاقتصادية-الاجتماعية.”
الغاية في مكان العمل هي أن يستفيد الناس من مهارات الآخرين وخبراتهم بغضّ النظر عن العمر. ويشمل ذلك حل المشاكل وإنشاء مشاريع وشركات جديدة باستغلال جميع مستويات الخبرة، حسب قول كابلان.
الفجوة التقنية
تعتقد ليوتّا أن طريقة استخدام الأجيال المختلفة للتقنية المتاحة تؤدي أيضاً إلى فجوة في التواصل والتعامل. فعلى سبيل المثال، يعمد جيل الألفية إلى استعمال هواتفهم النقالة بشكل دائم، ويُقحمون أنفسهم للتحقق من بريدهم الإلكتروني لمئات المرات في اليوم. وبعد كلمة رئيسية ألقتها ليوتا مؤخراً في اجتماع لرابطة لاعبي الغولف المحترفين، لاحظت شاباً يقترب منها.
وتضيف: “قال لي، ’كنت أتطلع إلى هاتفي النقال أثناء حديثك، لكني لم أكن أتجاهلك‘. أراد أن يؤكد لي تواصله معي. بالنسبة لجيل الطفرة السكانية والتقليديين بالتأكيد، يعد عدم النظر إلى شخص وهو يتحدث إليك أمرا يدل على عدم الاحترام.
وتسمي ليوتا ذلك دستور الأجيال أثناء الممارسة والتطبيق. فعندما تذكر ذلك لجيل الألفية، فإنهم يتساءلون: “ماذا تعني؟، لقد كنت استمع إليك، وكنت أقوم بالبحث عن موضوع حديثك،” حسبما تقول ليوتا.
إذا ما حدث ذلك معك، فربما يثير الاستغراب لو علمت أن أبناء جيل الألفية يحاولون التواصل مع أصدقائهم على شبكات التواصل الاجتماعي لكي يساعدوك. وتقول ليوتّا: “ربما يتواصل الألفيون بالكتابة إلى 40 شخصاً مختلفاً على شبكات علاقاتهم، في آن واحد. وقد يكون التنوع عالمياً وليس بالضرورة أن يكون التواصل مع من يعرفونهم في مكان العمل.”
إذاً، يمكن لسوء التفاهم أن يحصل عندما يفشل الناس في تصور ما يمرّ به الآخرون.
أكملت مارايكا كوغا، البالغة من العمر 27 عاماً، وهي طالبة بشهادة الماجستير في فرانكفورت، مؤخراً فترة تدريب بشركة كبرى هناك. أحياناً، كانت هي وزملاؤها يصابون بالإحباط في تعاملهم مع زملائهم الأكبر سناً الذين لم يدركوا الصعاب التي يواجهها جيلها للبدء في وظيفة في عالم العمل.
“اختلفت الطريقة التي تم بها توظيف الزملاء الأقدم تماماً عما هي عليه اليوم. لم تكن وقتها فترات تدريب ومُنح تدريبية، وكانت المنافسة أقل بكثير. أحياناً، يقول البعض ’نعم، ليس الأمر بتلك الصعوبة‘، لا يدركون ما تبدو عليه الحال عندما تملاً 50 استمارة، ولا تأتي أي واحدة منها بنتيجة إيجابية بأي شكل من الأشكال.”
ما الطريقة المفضلة لدى “كوغا” للتعامل مع هذه الأنواع من السلوكيات عندما تواجهها من شخص يكبرها سنّاً؟ تقول: “أخبرهم بأن الزمن قد تغيّر، وليس كل ما هو جديد من ذهب. أحاول ألا أكون عاطفية أكثر من اللازم.” ثم تضيف: “أود قول الحقيقة.”