خرج رجال ونساء الأرواك عراة بلونهم الأسمر المائل للاصفرار من قراهم إلى شواطئ الجزيرة يملأهم التعجب ، وسبحوا قليلاً ليلقوا نظرة عن قرب على قارب ضخم غريب. عندما نزل كولمبوس وبحاروه إلى الشاطئ حاملين السيوف ركض الأرواك لتحيتهم وجلبوا لهم الطعام والماء والهدايا، وكتب كولمبوس في سجله فيما بعد:
“جلبوا لنا ببغاوات وكرات قطن ورماح وأشياء أخرى كثيرة استبدلوها بالخرز الزجاجي وأجراس الصقور تبادلوا معنا برغبتهم كل شيء يمتلكونه. هم لا يحملون الأسلحة ولا يعرفونها حيث أنني عرضت عليهم سيفاً فأمسكوه من حده وجرحوا أنفسهم لجهلم به. سيكونوا خدماً ممتازين … وبواسطة خمسين رجل استطعنا اخضاعهم جميعاً وجعلهم يفعلون كل ما نريد.”
هؤلاء الأرواك من جزر البهاما كانوا مثلهم مثل الهنود في الأرض الأم، تميزوا بحسن ضيافتهم واعتقادهم في المشاركة. هذه الخصال لم تبرز في أوروبا في عصر النهضة حيث كان يسيطر عليها دين الباباوات وحكومات الملوك وسعار المال الذي ميز الحضارة الغربية ورسولها الأول إلى الأمريكتين، كريستوفر كولمبوس.
أكثر ما أرداه كولومبوس من معلومات كان: “أين الذهب؟” أقنع كولولمبوس ملك وملكة أسبانيا بتكويل رحلته لاستكشاف الأراضي والثروة التي توقع أن يعثر عليه على الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي، الهند وآسيا والذهب والبهارات، ولأنه مثل باقي الرجال ذوي المعلومات في عصره كان يعرف أن الأرض كروية وأنه بإمكانه أن يبحر غرباً ليصل إلى الشرق الأقصى.
في مقابل العودة بالذهب والبهارات، وعد الملك والملكة كولومبوس بعشرة بالمائة من الأرباح وحكماً للأراضي الجديدة والشهرة التي سيحصل عليها ومعها لقب أدميرال المحيط. كولومبوس كان موظفاً من مدينة جنوة الإيطالية يعمل لأحد التجار وكنا يعمل بدوام جزئي في النسيج وكان بحاراً خبيراً.
أقلع كولومبوس بثلاثة سفن شراعية كانت أكبرها “سانتا ماريا” والتي ربما كان طولها 100 قدم وبلغ عدد أفراد طاقمها تسع وثلاثون.
لم يكن كولومبوس ليصل لآسيا والتي كانت على بعد آلاف الأميال مما حسبه كولولمبوس متصوراً عالماً أصغر. كان الإساع الهائل للبحر سيحكم عليه بالفشل لكنه كان محظوظاً ففي ربع المسافة وصل إلى أرض غير معروفة وغير مذكورة في الخرائط تقع بين أوروبا وآسيا، الأمريكتين، في أوائل أكتوبر 1492 وبعد ثلاثة وثلاثين يوماً منذ غادر وطاقمه جزر الكناري.
كانت هناك علامات على وجود أرض ، ثم في 12 أكتوبر رأى بحار يدعى رودريجو قمر الصباح الباكر يشرق على رمال بيضاء وصرخ، كانت جزيرة في البهاما في البحر الكاريبي. كان من المفترض أن يحصل أول رجل يرى الأرض على معاش سنوي قدره 10 آلاف مارافيدي لآخر عمره إلا أن رودريجو لم يحصل على المكافأة ، لأن كولومبوس زعم أنه رأى ضوءاً في الليلة الماضية وحصل على المكافأة.
عندما اقتربوا من الأرض قابلهم الهنود الأرواك الذين سبحوا ليحييوهم. عاش الأرواك في مجتمعات قروية محلية وكانت لديهم زراعة متطورة للذرة والبطاطا والكسافا وكانوا يعرفون الغزل والنسيج لكنهم لم يكن لديهم أحصنة أو حيوانات للعمل ولم يكن ليهم حديد لكنهم ارتدوا حلي ذهبية صغيرة في آذانهم.
كان لهذا تبعات هائلة حيث جعل كولومبوس يأخذ بعض الأرواك إلى ظهر السفينة كسجناء لأنه أصر على أن يدلوه إلى مصدر الذهب. أبحر بعد ذلك إلى ما يعرف الآن بكوبا ثم إلى هيسبانولا (الجزيرة التي تتكون الآن من هايتي والدومينيكان)، وهناك أدت قطع من الذهب واضحة للعيان في الأنهار وقناع ذهبي قدمه إلى كولومبوس زعيم هندي محلي إلى خيالات جامحة عن حقول من الذهب.
تقرير كولومبوس إلى البلاط في مدريد كان مبالغ فيه، أصر على أنه وصل إلى آسيا (وصل إلى كوبا) وإلى جزيرة على مقربة من ساحل الصين (كانت هيسبانولا).
وقال كولومبوس إن الهنود “سذج جداً ومتساهلين مع ممتلكاتهم بشكل لن يصدقه أحد ما لم يره بنفسه، عندما تسألهم عن شيء لديهم لا يقولون لا أبداً، بل يعرضوا أن يشاركوه مع أي أحد.”
واختتم تقريره بطلب مساعدة صغيرة من جلالة الملك والملكة وفي المقابل سيعود لهم من الرحلة القادمة بـ”القدر الذي يحتاجونه من الذهب والعدد الذي يريدونه من العبيد.”
بسبب تقرير كولومبوس ووعوده المبالغ فيهما زودت رحلته الثانية بسبعة عشر سفينة وأكثر من ألف ومائتي جندي والهدف كان واضحاً: العبيد والذهب.
من قاعدته في هايتي، أرسل كولومبوس البعثة الإستكشافية تلو الأخرى لاستكشاف الداخل. لم يجدوا حقول ذهب لكنه كان لزاماً عليهم أن يملئوا السفن العائدة إلى أسبانيا بنوع ما من الأرباح.
في عام 1495، ذهبوا في حملة اصطياد عبيد ضخمة جمعوا فيها 1500 رجل وامرأة وطفل من الأرواك ووضعوهم في حظائر يحرسها الأسبان والكلاب ثم اختاروا منهم أفضل خمسمائة نموذج وأرسلوهم في السفن ومن هؤلاء مات 200 في الطريق.
مات الكثير من العبيد في الأسر ولذا كان على كولومبوس، الذي كان ملزما برد الأرباح للمستثمرين، أن يفي بوعده بملء السفن بالذهب. في مقاطعة سيساو في هاييتي حيث تخيل كولومبوس ورجاله وجود حقول ذهب، أمروا كل من هو بعمر الرابعة عشر أو أكبر بأن يجمع كمية معينة من الذهب كل ثلاثة أشهر وعندما كانوا يجلبون الذهب كانوا يعطونهم حلقات نحاسية يضعونها في رقابهم والهنود الذين كانوا يعثر عليهم بدون حلقات نحاسية كانت تقطع أيديهم ويتركون للنزف حتى الموت.
المصدر الأهم، وفي أحوال كثيرة الوحيد، للمعلومات حول ما خدث في الجزر بعد مجيء كولومبوس هو بارتولومي دي لاس كاساس والذي كان قساً شاباً شارك في غزو كوبا ولوقت ما امتلك مزرعة عمل فيها عبيد هنود إلا أنه تخلى عن ذلك وأصبح ناقداً عنيفاً للقسوة الأسبانية.
ما فعله كولومبوس بأرواك البهاما فعله كورتيز بالإزتك في المكسيك وبيتزارو بالإنكا في بيرو والمستوطنين الإنجليز في فيرجينيا وماساتشوستس بالبوهاتان والبيكوات، استخدموا نفس الأساليب ولنفس الأهداف.
هذه كانت بداية تاريخ الغزو الأوروبي للمستوطنات الهندية في الأمريكتين وهذه البداية هي الغزو والاستعباد والموت. عندما نقرأ كتب التاريخ التي تقدم للأطفال في الولايات المتحدة فإن كلها تبدأ بمغامرة بطولية، لا يوجد سفك دماء، ويوم كولومبوس (12 أكتوبر) يوم للاحتفال.