بالرغم من شغفي الزائد وحبي للأفلام إلا أنني لا أفضل الكتابة عنها، لأنها ببساطة تجربة يجب مشاهدتها لا القراءة عنها، ولكن فيلمنا اليوم له جانب شيق ورائع يمكننا أن نكتب عنه، إنها الفيزياء. انطلقت رحلة كريستوفر نولان العقلية الجديدة التي أطلق عليها اسم Interstellar منذ عدة أيام في أنحاء العالم، وقد اشتهر كريستوفر نولان بأفلامه غير التقليدية مثل mementos وسلسلة باتمان الأخيرة The Dark Knight وفيلم Inception الأخير، ولكن بخلاف فيلم Inception القائم على الخيال نجد أن فيلم Interstellar قائم على مفاهيم علمية وفيزيائية إلى حد ما مثل النجوم النيوترونية neutron stars، الثقوب السوداء الدوّارة spinning black holes وتمدد الزمن time dilation، وإذا لم تكن على الأقل ملمًّا ببعض هذه المفاهيم ستجد نفسك ضائعًا وسط أحداث الفيلم المثيرة.
في الفيلم مجموعة من مستكشفي الفضاء يبدؤون رحلة إلى خارج المجرة عبر ثقب دودي wormhole، ما ينتظرهم على الجهة الأخرى هو نظام شمسي آخر به ثقب أسود يدور حول الشمس، ليبدأ سباقهم ضد الفضاء والزمن لإتمام مهمتهم. معظم أحداث السفر عبر الفضاء خلال الفيلم قد تكون مربكة ومحيرة ولكنها مبنية في الواقع على مبادئ فيزيائية إذا تمكنت من فهمها ستقضي وقتًا أقل في التخمين ووقتًا أكثر في الاستمتاع بالفيلم. إليكم موجز مختصر لأهم خمسة مفاهيم فيزيائية يجب أن تكون ملمًّا بها لتتمكن من فهم الفيلم والاستمتاع به.
الجاذبية الصناعية
من المشاكل الكبيرة التي نواجهها كبشر في رحلات الفضاء طويلة الأجل انعدام الجاذبية، نحن ولدنا وعشنا على كوكب الأرض لذلك فلقد تكيفت أجسادنا أن تتحرك وتؤدي وظائفها تحت وطأة تأثير الجاذبية الأرضية، لذلك عندما نتواجد في الفضاء لفترات طويلة تبدأ عضلات الجسم في التدهور تدريجيًّا وهي مشكلة واجهت فريق الاستكشاف في الفيلم أيضًا، لمواجهة هذه المعضلة قام العلماء بتصور عدة تصاميم لنظام جاذبية صناعي في المركبة الفضائية، أحد هذه الأنظمة كما في الفيلم يعتمد على تدوير المركبة الفضائية بحيث ينتج عن دورانها قوى نطلق عليها قوى الطرد المركزي centrifugal force حيث تدفع هذه القوى الأجسام إلى الجدران الخارجية للمركبة الفضائية والتي ستمثل السطح الذي سيمشي عليه رواد الفضاء. قوى الدفع هذه تعمل تمامًا مثل قوى الجاذبية الأرضية ولكن في اتجاه معاكس حيث تعمل قوى الجاذبية الأرضية على جذب الأجسام لمركز الكرة الأرضية بينما تؤدي هذه القوى المصطنعة إلى طرد الأجسام إلى الأطر الخارجية بعيدًا عن المركز. أنت بنفسك شعرت بمثل هذه القوى من قبل في الكثير من المواقف منها عندما تنعطف بسيارتك عبر منحنى ضيق وبسرعة، حيث تشعر بقوى تقذف بك في الاتجاه المعاكس لاتجاه المنعطف.
الثقوب السوداء الدوّارة
بالطبع سمع أغلبكم عن الثقوب السوداء من قبل ولفت انتباهكم الغموض المحيط بها، في مركز كل ثقب أسود يوجد جسم هائل عالي الكثافة والضغط يطلق عليه النجم النيوتروني neutron star، علماء الفلك والفضاء يعلمون منذ عشرات السنوات أن بعض النجوم النيوترونية تدور بمعدلات مرتفعة جدًّا تصل إلى عدة آلاف من المرات في الثانية الواحدة! النجم النيوتروني كثيف بالقدر الكافي الذي يتسبب في جعل الثقب الأسود يبدأ في الدوران تبعًا لدورانه وبالتالي نحصل على الثقب الأسود الدوّار spinning black holes والذي لاحظه علماء الفلك من قبل ولكن بشكل غير مباشر. نحن نعلم أن الثقوب السوداء تتسبب في انحناء الزمان والمكان (الزمكان) من حولها وما يجب أن تعرفه هو أن الثقوب السوداء الدوّارة تتسبب في انحناء الفراغ بشكل مختلف عن الثقوب السوداء التقليدية الثابتة، عملية الانحناء هذه يطلق عليها تباطؤ أو سحب الأُطر frame dragging وهي تؤثر على شكل الثقب الأسود بالإضافة لطريقة تأثيره على الفراغ، والأهم من ذلك طريقة تأثيره على الزمكان من حوله. الثقب الأسود الدوّار الذي ستراه في الفيلم دقيق جدًّا وقد تتطلب تجهيز هذا المشهد ذو الثوان القليلة فريقًا علميًّا ترأس عالم الفيزياء الشهير كيب ثورن وأكثر من عام لإتمامه بهذه الدقة المتناهية بالإضافة إلى أن اكتشافًا جديدًا لطريقة طي الثوب السوداء للزمكان تحقق بفضل هذا العمل وستجدون تفاصيل أكثر في المصادر.
وإليكم فيديو يتحدث عن مراحل إعداد الثقب الأسود الذي ظهر في الفيلم.
الثقوب الدودية
الثقوب الدودية wormhole تدردد ذكرها كثيرًا خاصة في أفلام الخيال العلمي، وتعتبر الظاهرة الفيزيائية الوحيدة التي ظهرت في الفيلم وليس لها أي دلائل أو ملاحظات تدعم وجودها فعلًا، هي مجرد ظاهرة نظرية تمامًا ولكنها في نفس الوقت أداة مفيدة لأفلام الخيال العلمي عندما تظهر الحاجة لاجتياز مسافات شاسعة في الفضاء، والسبب هو أن الثقوب الدودية تشبه الطرق المختصرة في الفضاء، أي جسم له كتلة يمكن أن ينشأ عنه تشوه في الفراغ، بمعنى أن الفراغ يمكن أن ينحرف أو يتمدد أو يطوى، ويمثل الثقب الدودي الحالة الأخيرة، أي أنه يطوي الفراغ (وبالتالي الزمن لأن كلاهما وجهان لعملة واحدة وفقًا لأينشتاين) بين نقطتين مختلفتين ومتباعدتين جدًّا في الفضاء، وبالتالي عند العبور من خلاله يمكن لرواد الفضاء أن ينتقلوا من النقطة الأولى إلى الثانية في وقت قصير جدًّا. المصطلح العلمي للثقوب الدودية (بالرغم من عدم إثباتها بعد) هو جسر أينشتاين روزن Einstein-Rosen bridge لأنه تم الإشارة إليهم لأول مرة في نظرية بواسطة ألبرت أينشتاين وزميله ناثان روزن في عام 1935.
تمدد الزمن
تمدد الزمن الجذبي Gravitational time dilation أو لنقل تمدد الزمن فقط، هو ظاهرة تم ملاحظتها وإثباتها بالفعل، وقد تحدثنا عنها في عدة مواضيع من قبل وصغنا بعض الأمثلة للتدليل عليها. يحدث تمدد الزمن لأن الزمن نسبي (وفقًا لأينشتاين) بمعنى أن الزمن يمضي بمعدلات مختلفة وفقًا للإطارات المرجعية التي يتم قياسه منها (لنقل الشخص الذي يشعر بالزمن). عند تواجدك في بيئة تتميز بقوى جاذبية كبيرة فإن الوقت يمضي بشكل أبطأ بالنسبة لك بخلاف ما إذا كنت في منطقة ذات جاذبية أقل (لماذا؟ باختصار لأن الجاذبية تؤثر على الزمن).
إذا كنت بالقرب من ثقب أسود تمامًا مثل الذي ظهر في الفيلم، حيث يتميز بقوى جذب عظيمة، سيكون الإطار المرجعي الخاص بالجاذبية بالنسبة لك وكذلك إحساسك بالوقت مختلف تمامًا عن أولئك الذين يعيشون على كوكب الأرض والسبب هو أن قوى جذب الثقب الأسود تزداد كلما اقتربت منه، بالنسبة لك دقيقة بالقرب من ثقب أسود ستبقى 60 ثانية ولكن لو كان بإمكانك النظر إلى ساعة على الكرة الأرضية ستبدو لك الدقيقة أقل بكثير من 60 ثانية، وكلما زادت مجال الجاذبية الذي تتحرك بالقرب منه كلما زاد تمدد الوقت، أي بعد مضي سنة ستكون قد أمضيت عشر سنوات هناك. الأمر معقد ويصعب تصديقه ولكنه واقع نعيشه ولكن يصعب علينا إدراكه، وهناك العديد من التجارب التي تثبت صحته.
الكون خماسي الأبعاد
أمضى ألبرت أينشتاين الثلاثين عامًا الأخيرة من عمره يعمل على ما يطلق عليه الفيزيائيون اليوم النظرية الموحدة unified theory والتي تحدثنا أيضًاً عنها من قبل، والتي يفترض أن تجمع بين طياتها المفهوم الرياضي لقوى الجاذبية مع قوى الطبيعة الأساسية الثلاثة الأخرى، وهي القوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية القوية والضعيفة، ولكن أينشتاين فشل في نهاية المطاف من إيجاد هذه النظرية تمامًا مثل جميع الفيزيائيين من بعده وما زالت المحاولات قائمة إلى يومنا هذا.
تكمن المشكلة في أن قوى الجاذبية تأبى أن تتعاون ويرى بعض الفيزيائيين أحد طرق حل هذا الغموض هو النظر إلى الكون على أنه يتكون من خمسة أبعاد بدلًا من الكون رباعي أبعاد الذي اقترحه أينشتانين في نظريتة النسبية، حيث يتكون الفراغ من ثلاثة أبعاد والزمن يمثل البعد الرابع وكلاهما يشكلان الزمكان، تلاعب كريستوفر نولان بهذه المفاهيم والأفكار في الفيلم بشكل مذهل لن نذكره ولا داعي لذكره لكي لا نفسد عليكم متعة مشاهدة الفيلم.
الآن حان الوقت لتطبيق ما تعرفنا عليه في هذا المقال البسيط ومشاهدة الفيلم، استعدوا لرحلة فضائية ممتعة وشاركونا آرائكم في التعليقات.