يكتب دانيال جاريسون برنتن daniel garrison brinton أحد أنصار” نظرية التلخيص ” الدارونية يقول:
“إن الانسان البالغ الذي يحتفظ بعدد أكبر من السمات الجنينية …هو بلا شك أدنى من الذي حقق تطوره مسافة أبعد منها ، وبذلك المعيار فإن العرق الاوروبي أو الابيض يتصدر القمة ،ويكون الافريقي والزنجي في القاع .”
ويكتب لويس بولك عالم التشريح الهولندي صاحب “نظرية سمات الطفولة ” :
“علي أساس نظريتي ، فإنني مؤمن بعدم المساواة بين الاعراق ..، فالزنجي يمر خلال تطوره الجنيني بمرحلة أصبحت بالفعل المرحلة النهائية للإنسان الابيض، واذا استمر تخلف الزنجي فإنه ما زال فى مرحلة انتقالية لهذا العرق، والتي تصبح مرحلة انتقالية له . ومن الممكن لجميع الاعراق الاخرى أن تصل الى ذروة التطور التي يتربع على قمتها الان العرق الابيض “
مما سبق ،…..
يخبرنا برنتن من خلال نظرية التلخيص أن الزنوج أدني مرتبة لأنهم إحتفظوا بسمات الطفولة .
ولكن بولك يخبرنا من خلال نظرية الحدث بأن الزنوج أدنى مرتبة ،لأنهم تطورا الى ما بعد سمات الطفولة .!!!
_______
كانت نظرية التلخيص biogenetic law والتي صيغ مفهومها فى عبارة (التشكل الجنيني للفرد يلخص تاريخ التطور : ontogeny recapitulates phylogeny) هي حجة هيجل المفضلة على التطور.
فالافراد في نموهم الجنيني وطفولتهم المبكرة يعيدون مراحل فترة البلوغ لأسلافهم ويتسلقون شجرة التطور ملخصين مراحلها المختلفة . وليدعم هيجل نظريته فقد لجأ لرسوم تصورية زعم أنها تمثل مراحل التشكل الجنيني لأنواع مختلفة ،وفيها رسم ما يشبه الشقوق الخيشومية فى أطوار الجنين الاولى معتبرا إيها تلخيصا لمراحل تطور البشر السحيقة قبل أن تغزو الأسماك اليابسة .
نظرية التلخبيص الارتقائي “recapitulation theory ” والتي يشار اليها أيضا باسم قانون ميكل -سيريه meckel-serre، s law ومنطوقه هو : “الكائنات المتعضية تعيد في مرحلة التكوين الجنيني الاطوار التى مرت بها اسلافها” .
تبنى هيجل نظرية التلخيص بحماس ووظفها لتأييد الداروينية من خلال بناء مخططات لرسوم مجموعات من الاجنة التابعة لانواع مختلفة من الثدييات والطيور تظهر تناظراً وتشابهاً فى تكوينها المبكر والمراتب التصنيفية الأدنى للحيوانات لتاكيد فكرة السلف المشترك.
فالخياشيم هى خصيصة مميزة للأسماك التي إعتبرها داروين منزلة أدني في سلم التطور من طائفتي الطيور والثدييات ، ومن ذلك أتى الزعم بأن وجود مثل هذه التراكيب الخيشومية في تلك الاجنة يعني بالضرورة بأنها تمر بأطوار متدرجة فى الرقي تلخص بها فى زمن وجيز (خلال تكونها الجنيني) تاريخ الارتقاء والتطور الذي دعا اليه داروين .
(لن نخوض في كذب تلك الرسوم التي تبين زيفها فيما بعد )
استشهد هيجل واصدقائة بالتلخيص لتأكيد التفوق العرقي لبيض شمال اوروبا وتوظفها لتلك النظرة العنصرية ، فالاعراق التي تحتفظ بسمات طفولية هي أعراق منحطة تطوريا
و كتب يقول:
- يقف التقدم والتطور على جانب واحد تحت راية العلم البراقة . وعلى الجانب الاخر ، تحت راية التسلسل الهرمي السوداء تقف العبودية الروحية والزيف والهمجية والخرافة والتخلف وانعدام العقل … التطور هو المدفعية الثقيلة فى النضال من أجل الحقيقة ، صفوف كاملة من الحجج المزدوجة الباطلة تسقط أمامه …. كما تسقط أمام سلسلة من اطلاقات المدفعية .
- السمات الفكرية لغير المتحضر ..هي سمات متكررة عند أطفال الجنس المتحضر.
ويقرر عالم التشريح الفرنسي ايتيان سيرى شيئا مثيرا للعجب :
- بالفعل ذكور السود بدائيون ،لأن المسافة بين السرة والقضيب مازالت قصيرة (بالمقارنة مع طول الجسم ) فى جميع مراحل الحياة ، في حين أن الاطفال البيض يبدأون بمسافة قصيرة ولكنها تزداد أثناء النمو ، اذا ارتفاع السرة يعتبر علامة على التقدم .
ووصفت مدرسة كاملة من (الانثروبولوجيا الجنائية ) المجرمين البيض بأنهم متخلفون وراثيا وقارنتهم بالاطفال والبالغين من الافارقة والهنود ، وكتب أحد المتحمسين :” بعضهم (المجرمون البيض ) من شأنه أن يكون فخر قبيلة من الهنود الحمر ونخبتها من ذوي الأخلاق .”
وأشار هافلوك إيليس الى أن المجرمين البيض والأطفال والهنود فى امريكا الجنوبية عموما لا تحمر وجوههم إنفعالا .
وظفت هذه النظريات كمرتكزات أيدولوجية لفرض الامبريالية والتسلطية * لإستعباد الشعوب الأخري بحجة تبريرية متحايلة تقول بأنها أعراق منحطة غير قادرة على حكم أنفسها.
لا نزال نتعجب من تلك الوقاحة التي تصب العنصرية والاستعباد فى قالب أبوي حنون حين قال بعضهم :” من دون الشعوب البدائية سيكون العالم بأسره صغيرا من دون بركة الأطفال …ويجب أن نكون منصفين مع “العرق المشاكس ” فى الخارج مثلما نحن مع “الولد المشاكس” فى البيت” .
بالعودة الى قول بولك والذي تتبدى من خلال مدرسة جديدة تماما ،ظهرت مع تقدم الوراثة المندلية مما تسبب في إنهيار نظرية التلخيص التي شرحناها بعاليه.
ومنها تحول أنصار التطور الي القول بأن الانسان أصبح اكثر تطورا بإكتساب صفات شبيهة تماما بصفات الطفولة كالجمجمة المنتفخة والفكان الصغيران والانعدام النسبي للشعر ، وهذه الصفات تنحدروتضمحل مع البلوغ حيث يقل حجم الجمجمة نسبيا مع حجم الجسم وينمو الشعرويزداد كثافة فى أماكن متفرقة من الجسد .
وهنا كانت ورطة انصار التلخيص ،
ماذا يفعلون بعشرات الأدلة التي تم تجميعها على مدي نصف قرن لدعم نظرتهم العنصرية وجميعها كانت تقول بأن البالغين من الأعراق الدونية كانوا مثل أطفال العرق الأبيض وتوقفوا عند تلك المرحلة من التطور .
وفقا للنظرية الجديدة وتلك المعطيات كان ينبغي أن تكون إعادة التفسير الموضوعية قد أدت الى الاعتراف بتفوق الاعراق (الادني سابقاً من وجهة نظرهم )، فقد اصبح المعيار الجديد هو أن العرق الاكثر طفولية سيرتدى من الان وصاعدا عباءة التفوق كما أقر بولك ورفاقه .
ومن هنا وبكل بساطة تجاهل أنصار النظرية التطورية الجديدة أكوام الأدلة السابقة وهرع بولك ورفاقة إلى البحث عن بيانات وأدلة معارضة لإثبات أن كبار البيض مثل الأطفال السود (بالطبع يمكنه ذلك، ما دام يريد ذلك ) فقال :
“إن للبالغين السود جماجم طويلة ،وبشرة داكنة ،وفكان بارزان بقوة إلى الامام ، فى حين أن لدى البالغين البيض وألاطفال السود جماجم قصيرة ،وبشرة فاتحة (أفتح لونا )وفكان صغيران ، ومن ذلك فإن العرق الأبيض هو الأكثر رقيا وتطورا بإعتباره الأكثر احتفاظا بسمات الحدث .”
وقال هافلوك إيليس :
“قلما يكون أطفال العديد من الأعراق الإفريقية أقل ذكاءا من الطفل الاوروبي ، ولكن فى الوقت الذي يكبر فيه الإفريقي يصبح غبيا وبليدا، ويحتفظ الاوروبي بالكثير من حيويته الطفولية .”
الدروس المستفادة من هذا العرض :
الاطار الفكري والعقيدة الأولية هى ما يسوق الادلة وليس العكس وهذا أمر متجلي فى تناول ومنهج الداروينية ككل.
للمزيد :
ever since darwin :Gould > Chapter 27, “Racism and Recapitulation” (pp. 214-221
_______________________________________________
الهامش :